وفيه : أنّ دعوى الإجماع مرفوضة ، باعتبارها مخالفة لكلمات العلماء الدالّة على جواز البناء ، بل رجحانه ، ومخالفة لعمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ، على اختلاف طبقاتهم ، وتباين نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى يومنا هذا ، من العلماء وغيرهم ، من الشيعة والسنّة وغيرهم ، وأيّ بلاد من بلاد الإسلام ليس لها جبّانة ، فيها القبور المشيّدة؟!
فهؤلاء أئمّة المذاهب : الشافعيّ في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم سامقة المباني ، شاهقة القباب ، وأحمد بن حنبل كان له قبر مشيّد في بغداد ، جرفه شط دجلة حتّى قيل : أطبق البحر على البحر.
وكلّ تلك القبور قد شيّدت ، وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء ، وأرباب الفتوى ، وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم ناكر ، بل كلّ منهم محبّذ وشاكر.
وليس هذا من خواص الإسلام ، بل هو جار في جميع الملل والأديان ، من اليهود والنصارى وغيرهم ، بل هو من غرائز البشر ، ومقتضيات الحضارة والعمران ، وشارات التمدّن والرقي. والدين القويم المتكفّل بسعادة الدارين ، إذا كان لا يؤكّده ويحكمه ، فما هو بالذي ينقضه ويهدمه. ألا يكفي هذا شاهداً قاطعاً ، ودليلاً بيّناً على فساد دعوى الإجماع؟
٢ ـ ما ورد عن الإمام علي عليهالسلام بأنّه قال لابن إلهيّاج الأسديّ : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله : أن لا أدع تمثالاً إلاّ طمسته ، ولا قبراً مشرّفاً إلاّ سوّيته ) (١).
وفيه : ( ولا صورة في بيت إلاّ طمستها ) (٢).
____________
١ ـ صحيح مسلم ٣ / ٦١ ، مسند أحمد ١ / ٩٦ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٣٦٩ ، المعجم الصغير ١ / ٥٧.
٢ ـ سنن النسائيّ ٤ / ٨٩ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٦٥٣ ، علل الدارقطنيّ ٤ / ١٨١.