الآية : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (١) ، إذ يأتون بأدلّة متعدّدة على استحالة مجيء الربّ عزّ وجلّ يوم القيامة بنفسه وهيكله ، لامتناع الجسمية والتحوّل والتحرّك وغيرها عليه ، وفي نفس الوقت يؤيّدون رؤيته تعالى يوم القيامة ، بآية : ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٢) ، اعتماداً على روايات مردودة سنداً أو دلالةً ، أليس هذا تهافتاً واضحاً في كلام هؤلاء؟
٣ ـ وأمّا بالنسبة لآية ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) ، فإنّها لم تعبّر عن الرؤية المادّية المحسوسة في اليقظة ـ والكلام في هذا الفرض ـ والشاهد على ما نقول هو : ( فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) (٣) ، إذ ليس المقصود النظرة والرؤية بالعين ، بل بمعنى إبداء الرأي في الموضوع.
وبعبارة واضحة : أنّ إبراهيم عليهالسلام كان يريد أن يذكر لابنه إسماعيل عليهالسلام بنزول الوحي في المنام بذبحه ، والدليل الواضح جواب إسماعيل : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) (٤) ، فإنّه يدلّ على ورود الوحي ، ولو في الرؤيا.
وعلى كلّ ، فإنّ الكلام في امتناع رؤية الله عزّ وجلّ بالرؤية البصرية ، والآية لا تدلّ على إمكانية الرؤية المذكورة بدون انعكاس الضوء وتمييز المرئي.
٤ ـ ليس هناك أيّ تناقض بين لزوم وقوع الرؤية بالبصر على المرئي كلّه أو بعضه ، وتشخيصه وتمييزه عمّا سواه ، وبين الرواية التي ذكرت فيها صفة الجنّة بأنّ ( فيها ما لا عين رأت ... ) ، فإنّ الحديث يذكر عظمة أنعم الله تعالى في الجنّة ، بأنّ فيها نعم ظاهرة وباطنة لم تراها أعين البشر في الدنيا ، فأين هذا من جواز رؤية الله عزّ وجلّ في الآخرة؟!
____________
١ ـ الفجر : ٢٢.
٢ ـ القيامة : ٢٣.
٣ ـ الصافّات : ١٠٢.
٤ ـ الصافّات : ١٠٢.