لم يقع التكليف ببذل عامة الأموال وان الاحفاء والمبالغة فيه يفضي الى تعذر الامتثال وانتفاء الانقياد ، فمقتضى الحكمة الاقتصار على جزء يسير منها ، كالعشر ونصف العشر وربع العشر ، على ما اختاره جماعة من المفسرين وغيرهم من العامة والخاصة.
قال في مجمع البيان : ان يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا ، ويظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله ، ولكنه فرض عليكم ربع العشر (١).
وفي جوامع الجامع : أي لا يسألكم جميعها في الصدقة ، وان أوجب عليكم الزكاة في بعضها واقتصر منه على القليل (٢).
وقال في الكشاف : الاحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء ، يقال : أحفاء في المسألة اذا لم يترك شيئاً من الإلحاح ، وأحفى شاربه اذا استأصله (٣).
فيدل على نفي احتساب المئونات على أرباب الأموال اذا أدى الى اجحاف واحفاء ، كما وقع في ما تكثر مئوناته من السقي بالقنوات مع ايجاب العشر فيه ، واذا انتفى في بعض الصور ثبت مطلقا ، اذ لا قائل بالفرق.
وبوجه آخر لطيف : لو قلنا بعدم استثناء المؤن مطلقا لزم احتسابها عليهم وان أجحف بجميع المال أو أكثره ، وهو مناف لما نطق به الكتاب العزيز ، فيكون باطلا فيبطل ملزومه. وعلى هذا لا حاجة الى تجشم مئونة انتفاء القول بالفصل.
وبطريق ثالث : هو أن الظاهر منه عدم تعلق الطلب بالأموال مطلقا ، فيقتصر على ما يقطع بوقوع التكليف به ، وهو العشر أو نصفه فيما يبقى ، ويتوقف الزائد
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ١٠٨.
(٢) جوامع الجامع ص ٤٥١.
(٣) الكشاف ٣ / ٥٣٩.