في ذلك على أصالة الجواز وعدم دليل مانع ، فلا يعبأ به ولا يقابله ، لان التعبد بالشيء توقيفي ، فلا يكفي عدم دليل المنع ، بل لا بد من المجوز ، ولذلك قال المرتضى : الاحوط أن لا يصلي الجمعة الا باذن السلطان وامام الزمان.
مع أن دليل المنع ثابت ، كقوله عليهالسلام « لا جمعة الا في مصر يقام فيه الحدود » وقد عرفت دلالته. وقوله عليهالسلام « اللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها » وقد دريت دلالته أيضاً.
فالجواب بأن التوقيف عليها بخصوصها متحقق في الكتاب والسنة ، وانما وقع الاشتباه في بقاء شرعيتها الى الان ، فأصالة الجواز نافعة ، غير نافع.
وبالجملة فدليلهم هذا على نفي شرعيتها لا يخلو من قوة ، مع أن هؤلاء القائلين بوجوبها العيني بأسرهم متفقون على أن السلف كانوا تاركين لها برهة من الزمان مع وجود الفقيه الجامع للشرائط فيهم ، لكنهم يعللونه بالتقية وعدم امكان الاجتماع عليه ، وهذا مجرد دعوى ، بل انما تركوها مع وجوده فيهم ، لانه لما لم يكن بخصوصه منصوباً من قبلهم عليهمالسلام ، لم يكن صالحاً لامامتها. فبعد الاتفاق على تركهم معه التعلل بالتقية لا يجدي نفعاً.
والحاصل أن الترك اتفاقي والتقية احتمال ، وعدم كفاية الفقيه احتمال آخر ، ولا ترجيح لاحدهما على الاخر ، فمن ادعاه فعليه الدليل.
هذا ومنهم من كلامه مبهم مجمل ذو وجهين ، وليس فيه التصريح بوجوبها العيني من غير اشتراط. نعم فهم الشيخ زين الدين من بعض كلماتهم واشاراتهم الوجوب العيني ، وأول بعضاً آخر الى ما يطابق فهمه ، فهو أول من قال بوجوبها العيني صريحاً في هذا الزمان ، ومنه سرى الوهم الى بعض من تأخر عنه الى الان والا فما كان هذا القول شائعاً فيما بين من تقدمه.