ولذلك قال الشهيد في عبارته السابقة : وهو القول الثاني من القولين ، مع أنه كان أولا على منهاج من تقدمه ، ثم عدل عنها لما عرض له من الشك ، ولذلك قال في شرحه على اللمعة : ولو لا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوة ولا أقل من التخييري مع رجحان الجمعة.
وبالجملة ليس اجتهاده هذا حجة شرعية ، مع ما عرفت من حال الاخبار ، ولذلك عدل جم غفير وجمع كثير ممن تأخر عنه عن قوله هذا ، فمال بعضهم الى الحرمة ، وبعضهم (١) الى التخيير ، وبقي بعض آخر متردداً في تيه الحيرة مذبذباً بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء.
فهذا سيدنا الفاضل الداماد يقول في جواب من استفتاه في أمر صلاة الجمعة : فاعلمن أن ما اليه يؤول قويم السبيل ، وعليه تدور رحى التعويل ، هو أن فريضة الجمعة في زمننا هذا ، وهو زمان غيبة مولانا الامام القائم بالامر الحاكم بالقسط عليهالسلام أفضل الواجبين على التخيير مع وجود من له النيابة العامة ، وهو المجتهد ، أعني : الفقيه المأمون المستجمع لعلوم الاجتهاد وشرائط الافتاء ، فالسلطان العادل هو الامام المعصوم ، أو من يكون منصوباً من قبله صلوات الله عليه على الخصوص ومن له استحقاق أن ينوي عنه عليهالسلام على العموم من شروط انعقاد الجمع والاعياد ، ومع فقد ذلك كله لا جمعة رأساً ولا عيد على الوجوب أصلا.
على أن من تقدمه كان أكثر منه علماً وأثقب منه فهماً ، وأدق منه طبعاً ، وأشد منه اطلاعاً على أحوال السلف والائمة الماضين ، فلو كان بناء الامر على التقليد ، فهؤلاء أولى به منه ، أولئك آبائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا جرير
__________________
(١) فمنهم الفاضل الجليل مولانا الخليل ، والفاضل المشهور حسن بن عبد الله المغفور وكذا بهاء الدين محمد المشهور بالفاضل الهندي وغيرهم قدس الله أسرارهم « منه ».