النفس درناً لا يزول ، فمقتضى العدل أو الفضل والرحمة إفناؤها بنارها ، لسبقة الرحمة للغضب. ١
٢. يؤكد القرآن على أن الجزاء مماثل للسيئة ، فقال تعالى : ( وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) ، ٢ وأنّ أي عمل فهو محدود بطبيعة الحال زمنياً وفي كيانه وأثره ، فليكن الجزاء الذي لا يزيد عن العمل ـ بل هو نفس العمل بملكوته وذاته ـ ليكن ذلك الجزاء أيضاً محدوداً ومماثلاً له في السوء ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ... ) ٣ فاذا كان الخلود في العذاب خلوداً أبدياً ، ففي هذه الصورة لا يكون الجزاء مماثلاً للعمل ، ولا يكون العذاب اللانهائي جزاءً وفاقاً لمحدودية العمل وعدم محدودية الجزاء ، وكيف نسمح لأنفسنا كموحدين أن نظن هكذا ظلم وقساوة برب العالمين ؟ وهذا افتراء على الله ، وكتابه دال على حدود العذاب. ٤
والجواب عن هذه الأدلة نوكله إلى الفصل الرابع إن شاء الله تعالى.
ونسب إلى الجهم بن صفوان القول بفناء الجنة والنار وفناء أهلها ، قال ابن حزم : اتفقت فرق الاُمة كلها على أنه لافناء للجنة ولا لنعيمها ، ولا للنار ولا لعذابها إلّا الجهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوماً من الروافض ، فأما جهم فقال : إن الجنة والنار يفنيان ويفنى أهلها. ٥ وقال القاضي علي بن أبي العز ( المتوفى ٧٢٢ ه ) : وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده ، وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث ، فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في
________________
١. راجع : المصدر السابق ، ج ٣٠ ، ص ٤٩. |
٢. الانعام ، ١٦٠. |
|
٣. غافر ، ٤٠. |
٤. راجع : المصدر السابق ، ج ٣٠ ، ص ٤٨ ؛ ج ١٥ ، ص ١٣٦. |
|
٥. ابن حزم الأندلسي ، الفصل في الملل والاهواء والنحل ، ج ٢ ، ص ٣٩٥ ؛ الاصول والفروع ، ص ٤٣.