قمنا في هذا القسم من الموضوع بدراسة آراء المخالفين للخلود الأبدي في النار ، واستعراض أقوالهم في انقطاع العذاب عن الكفار لبيان فساد هذه الأقوال والاشكالات الواردة عليها ، وأيضاً لبيان مدى صحة ما نسب إلى بعض المتكلمين من الأقوال المنافية للخلود في جهنم ، ومن هذه الآراء القول بفناء النار ، حيث ذهب اليه ابن تيمية ، وصرح به تلميذه ابن القيم الجوزي في كتبه ، واستدل عليه بأدلة عقلية وبأقوال منسوبة إلى بعض الأصحاب ، بالاضافة إلى الآيات القرآنية المشعرة بظاهرها بانقطاع العذاب عن الكفار ، ومال إلى هذا الرأي أيضاً الشيخ محمد عبده ، والشيخ محمود شلتوت ، أما الدكتور محمد صادقي فقد ذهب إلى القول بفناء النار مع أهلها ، وتمسك في اثبات ذلك بأدلة مماثلة لأدلة ابن القيم الجوزية ، وقد ثبت في قسم التفسير عدم دلالة الآيات التي تمسكوا بها على انقطاع العذاب ، وثبت أيضاً في هذا القسم وفي قسم الفلسفة بطلان أدلتهم العقلية وعدم دلالتها على انقطاع العذاب عن الكفار ، أما أقوال الصحابة أمثال عمر وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم ، والتي دلت على انقطاع العذاب عن الكفار فهي على فرض صحة صدورها من هؤلاء ، فقد تبين بأنها لاحجية فيها ، وعلى فرض حجيتها فانها مطروحة بمخالفتها للكتاب وروايات المعصومين عليهمالسلام.
وأما القول بفناء الجنة والنار وفناء أهلها ، والذي نسب إلى الجهم بن صفوان فإنما ألصقه عليه خصومه من الأشاعرة وأهل الحديث ، ولم ينقله غيرهم ، فلا يمكن القطع بصدوره من الجهم بن صفوان. وأما نسبة القول بفناء حركات أهل الجنة والنرا إلى أبي الهذيل العلاف ، فهي غير معقولة ، ويمكن حمل كلامه على ما وجّهه الخياط المعتزلي ، ولكنها مع ذلك لا تخلو من إشكال.