قال صدرالدين الشيرازي في تفسيره : إعلم أن في تعذيب الله بعض عباده عذاباً أبداً إشكالاً عظيماً ، خصوصاً عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين ، فان الله خالق العباد وموجدهم ومبدئهم ومعيدهم ، وشأن العلة الفاعلة الافاضة والايجاد على معلولها ، إذ ليس المعلول إلا رشحة من رشحات جوده ، ولمعة من لمعات وجوده ، والتعذيب الأبدي منافي الايجاد والعلية. ١
وأشار إلى هذا المعنى في كتاب الأسفار وشواهد الربوبية بقوله : ثم إنك تعلم أن نظام الدنيا لا ينصلح إلا بنفوس جافية وقلوب غلاظ شداد ، فلو كان الناس كلهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب الله وقلوب خاضعة خاشعة لاختل النظام بعد القائمين بعمارة هذا الدار من النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجاجلة ، وكالنفوس المكارة كشياطين الإنس بجربزتهم وجبلّتهم ، وكالنفوس البهيمية الجهلة كالكفار... وثبت بموجب قضائه اللازم النافذ في قدره اللاحق الحكم بوجود السعداء والأشقياء جميعاً ، فاذا كان وجود كل طائفة بحسب قضاء إلهي ومقتضى ظهور اسم رباني ، فيكون لها غايات حقيقية ومنازل ذاتية ، والأمور الذاتية التي جبلت عليها الأشياء إذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة ، وإن وقعت المفارقة أمداً بعيداً وحصلت الحيلولة عن الاستقرار عليها زماناً مديداً بعيداً ، كما قال تعالى : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) ، ثم إن الله تعالى يتجلى بجميع الأسماء والصفات في جميع المراتب والمقامات ، فهو الرحمان الرحيم ، وهو العزيز القهار ، وفي الحديث القدسي : « لو لا أن تذنبون لذهب بكم وجاء بقوم يذنبون ». ٢
________________
١. صدر الدين الشيرازي ، تفسير القرآن ، ج ٥ ، ص ٢٩٨.
٢. الاسفار ، ج ٩ ، ص ٣٤٨ ، ٣٤٩ ؛ وراجع : شواهد الربوبية ( المقدمة ) ، ص ٣١٤ ، ٣١٥.