بحسب فطرته داخلة في السالكين اليه ، وإذا حصلت في الكافر والمنافق والعاصي ملكات ردية حاصلة عن الكفر والنفاق والعصيان ، فلا شك ينحرف عما فطر عليه ، وبقدر انحرافه عن الفطرة يعاقب في الآخرة ، والآلام دالة على وجود جوهر أصلي ـ وهي الفطرة ـ يقاوم الهيئات الحيوانية الردية والألم الناشىء من هذه الهيئات ، والتقاوم بين المتضادين ليس بدائم ولا بأكثري ، ولما كان الجوهر النفساني من الانسان غير قابل للفساد ، ومبدأ العذاب أمر عارض على الفطرة ، والذاتي يدوم والعرضي يزول فيعود إلى الفطرة ، فيكون مآله إلى الرحمة. ١
والظاهر أن صدرالدين الشيرازي قد رجع عن نظرية الخلود النوعي إلى القول بالخلود الشخصي في كتاب العرشية ، كما صرح به عدد من المعلقين والمحشين على كتب صدر المتألهين.
هناك عبارة للعلامة صدرالدين الشيرازي ذكرها في كتاب العرشية ـ الذي قيل إنه آخر من كتبه في حياته ـ يفهم منها رجوعه ، عن القول بالخلود النوعي فبعد أن نقل فيها عن محيي الدين بن عربي بأن أهل النار المشركين بعد انتهاء مدة عقابهم يكون لهم نعيم في النار فيتلذذون بماهم فيه من نار وزمهرير ، لكون طباعهم تقتضي ذلك ، قال : وصاحب ( الفتوحات المكية ) أمعن في هذا الباب وبالغ فيه في ذلك الكتاب ، وقال في الفصوص : وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ، إذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون برداً وسلاماً على من فيها.
وأما أنا ، والذي لاح لي ـ بما أنا مشتغل به من الرياضات العلمية والعملية ـ أن دار الجحيم ليست بدار نعيم ، وإنما هي موضع الألم والمحن ، وفيها
________________
١. راجع : المصدرين السابقين ، ص ٣٥١ ، ٣١٧ ، ٣١٨.