يرد على القولين بأنه لو علم المكلف أن الوعيد الوارد في القرآن إنما جاء للتخويف فقط لا غير ، فلا يبقى أثر وفائدة في هذا التخويف ، فيكون تغريراً للمكلف على ارتكاب المعاصي ، وفي نتيجة تنتفي فائدة الوعيد الوارد في الكتاب الإلهي ، ويكون لغواً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ويرد على القول العاشر في قوله إن ذلك العقاب ضرر خال من النفع فيكون قبيحاً ، هذا القول ليس في محله ، لأن العقاب ليس من معذب خارجي ، بل هو نفس أعمال الكفر والمعاصي يتحول إلى أنواع من العذاب ، قال صدر الدين الشيرازي : وفي القرآن آيات كثيرة دالة على أن كل ما يلاقيه الانسان في الآخرة ويصل اليه من الجنة وما فيها من الحور والقصور والفواكه وغيرها والنار وما فيها من العقارب والحيات وغيرها ، ليس إلا غاية أفعاله وصورة أعماله وآثار ملكاته ، وإنما الجزاء هناك بنفس العمل باعتبار ما ينتهي اليه ، كقوله تعالى : ( ... وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، ١ وقوله تعالى : ( إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ٢ ولم يقل مما كنتم تعملون تنبيهاً على هذا المعنى ، وقوله : ( ... جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ... ) ، ٣. ٤
ويرد أيضاً على الوجه الثاني وهو قوله : فلما تركت الأشياء التي كلفتني بها ، فما قصرت إلا في حق نفسي ، أنه بديهي البطلان ، لأن التكاليف الإلهية ليست مقتصرة على المسائل العبادية من قبيل الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيره من الأمور العبادية حتى يكون التارك لها مقصراً في حق نفسه فقط ، بل هناك تكاليف من الأوامر والنواهي المتعلقة بالحقوق الاجتماعية مثل الظلم بجميع أشكاله من القتل والزنا والسرقة وأكل المال بالباطل وغيره من
________________
١. يس ، ٥٤. |
٢. التحريم ، ٧. |
٣. فصلت ، ٢٨. |
٤. صدر الدين الشيرازي ، الاسفار ، ج ٩ ، ص ٢٩٥.