وثانيها : قوله تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
والمراد يرى جزاءه ، فإن لم يخفف من عقابه ولا يوفر عليه شيء من ثوابه لم يكن للآية معنى.
وثالثها : إنه قد أتى بالطاعة على الحدّ الذي لوقوعها عليه يستحق الثواب ، والثواب حق على الله للعبد ، فغير جائز ألّا ينتفع المستحق بذلك ، بل يجب أن يوصل اليه ذلك النفع أو يفعل ما يقوم مقامه ، ومعلوم أن إزالة جزء من الضرر كإيصال جزء من النفع ، فلابد من الموازنة وإلا انتقض العدل. ١
إتفقت الزيدية على القول بعدم جواز العفو ، وأنه لا يحسن عقلاً العفو عن مرتكب الكبيرة المصرّ على المعصية ، لأن العفو إغراء للمكلف بارتكاب المعاصي ، وهو قبيح عقلاً ، قال أحمد بن يحيى الصعدي : ويحسن منه العفو عن العاصي إن علم ارتداعه كالتائب إتفاقاً ، ولا يحسن إن علم عدم ارتداعه... وقال : قلنا : يصير العفو كالاغراء ، هو قبيح عقلاً ، وكذا لا يجوز خلف الوعيد من الله تعالى للمعاقبين. ٢ فالقول بجواز العفو في رأيه خلف للوعيد. وقال مثله القاسم بن محمد ( المتوفى ١٠٢٩ ه ). ٣
ويقول أحمد بن يحيى الصعدي في موضع آخر : أما قول المخالفين : إن المغفرة لا تكون مع التوبة والتكفير ، فقول باطل ، لأنّ حقيقة المغفرة هي أن لا يعجل للعبد ما يستحقه من العقاب ، فانه تعالى قد قابل أنواع الكفور والعصيان بسوابغ النعم والاحسان ، ولا شك أن ذلك أعظم الحلم وأوسع الغفران ، وقد
________________
١. راجع : المعالم الدينية ، ص ١١٢.
٢. احمد بن يحيى الصعدي ، شرح الثلاثين مسألة ، ص ٢٥٧.
٣. راجع : الاساس لعقائد الاكياس ، ص ١٩٤.