حاول الفلاسفة منذ القدم عقلنة المفاهيم الاسلامية ، وبيان موافقتها للعقل ، لترسيخ تلك المفاهيم في أذهان المسلمين ، ومن هذه المفاهيم مفهوم الخلود في جهنم ، أو الشقاوة الأبدية حسب اصطلاح الفلاسفة ، وقد بحث في هذا الموضوع الكثير من الفلاسفة ، ولكنه استعرضنا آراء تسعة منهم ، ممّن تمكنّا من الحصول على آرائهم ابتداءاً بالقدماء ثم المتأخرين وانتهاءً بالمعاصرين ، ومن أقدمهم هو أبو نصر الفارابي حيث قسم النفوس بالنسبة إلى سعادتها وشقاوتها الأخروية إلى النفوس الفاضلة أو السعيدة ، والنفوس الشقية ، والنفوس الجاهلة. ويرى الفارابي بأن السعادة الأبدية تحصل للنفوس الفاضلة بعد مفارقتها للبدن بلحوق هذه الأنفس مع بعضها ، والنفوس الشقية لاكتسابها هيئات ردية تحصل لها الشقاوة الأبدية بعد مفارقة البدن ، وذلك بلحوق هذه الأنفس مع بعضها ، فيتأذي كل منهم من الآخر ، أما النفوس الجاهلة فيعتقد الفارابي بأن هذه النفوس لعدم معرفتها بمبادىء الوجود وبطريق السعادة فإنها تبقى هيولانية غير مستكملة فتنعدم بانعدام المادة ، وقوله هذا عن النفوس الجاهلة هو السبب في اتهامه من قبل كثيرين بالتردد والاضطراب في رأيه حول خلود النفس حتى أن بعضهم نسب اليه انكاره لخلود النفس. وبالتحقيق في رأي الفارابي حول خلود النفس ثبت إقرار الفارابي بخلود مطلق النفوس سواء الجاهلة والشقية أو الفاضلة ، وتبيّن بأن مقصود الفارابي من انعدام النفوس الجاهلة ليس انعدامها وفناؤها مطلقاً ، بل انعدامها وبطلانها عن مرتبة النفوس الفاضلة.
ومن القدماء أيضاً الشيخ الرئيس ابن
سينا ، فقد قسم النفوس بالنسبة إلى جزائها الأخروي إلى النفوس السعيدة والنفوس الشقية ، ونفوس البلهاء ،