والسعداء في رأيه قسمان ؛ قسم ارتقت إلى كمال العلم والعمل ، ويري بأن هذه السعادة هي السعادة الحقيقية التي هي للكاملين في القوة النظرية والعملية ، والقسم الآخر من السعداء وهم الذين أصلحوا القوة العقلية ، ولكنهم اكتسبوا هيئات بدنية ردية قابلة للزوال ، وهؤلاء بعد مدة من العقاب يصلون إلى نوع من السعادة ، والأشقياء عنده هم الذين علموا بوجود كمالات لهم ، ولكنهم لم يحصلوها لانشغالهم بالبدن ، فوقعوا في الشقاء الأبدي ، وهذا الشقاء في رأي الشيخ لا يكون إلّا للجاحدين والمعرضين ، وأما البلهاء فالشيخ يري بأن هؤلاء لم يحصل لديهم شوق إلى كمالاتهم ، لأنهم لم يعرفوها لسبب نقص في استعداداتهم العقلية ، ويعتقد بأن هذه النفوس إذا كانت غير مكتسبة لهيئات بدنية رديّة صارت إلى نوع من الراحة ومرتبة من السعادة ، وأما إذا كانت مكتسبة لتلك الهيئات صارت إلى العذاب والشقاء الأبدي.
والشيخ الرئيس شبّه النفوس بالنسبة إلى سعادتها وشقاوتها الأخروية بالحالات الثلاث للبدن من حيث الصحة والجمال ، كالبالغ في الجمال والصحة ، ومن ليس ببالغ فيها ، إلّا أنه من اهل السلامة وحال السقيم ، فهو على هذا إقتفى أثر الشارع في تقسيمه للنفوس بالنسبة إلى الجزاء الأخروي إلى النفوس المؤمنة الصالحة المخلدة في السعادة والجنة ، والنفوس المؤمنة المذنبة التي تتعرض إلى عذاب محدود وتلتحق بعدها بالسعداء وتخلد في الجنة والنفوس الكافرة المخلدة في النار إلى الأبد.
ومنهم أيضاً ابن طفيل الأندلسي الذي
تحدث في كتابه ( حي بن يقظان ) عن السعادة والشقاوة الأخروية ، فقسم النفوس إلى أربعة أقسام ، وهي : النفوس السعيدة ، والنفوس الشقية التي مآلها إلى السعادة ، والنفوس الشقية إلى الأبد ، والنفوس التي لا تكون سعيدة ولا شقية ، والسعادة الأبدية عند ابن