وقوله : ( وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) أي وينزل عليه ويحل به حلول الدين والحق اللازم الذي لا انفكاك له عذاب دائم وهو عذاب ، النار في الآخرة ، ١ وقال الفخر الرازي : أي يجب عليه وينزل به ٢ والآية تدل بصراحة على دوام العذاب وعدم انقطاعه.
فالآية الشريفة مقول قول نوح عليهالسلام يرد فيها على قومه الذين سخروا منه فقال لهم نوح عليهالسلام فسوف تعلمون أيّنا يأتيه عذاب يخزيه ـ إشارة إلى عذاب الاستئصال في الدنيا وهو الغرق ـ ويهينه ويذله ثم ينزل عليه يوم القيامة عذاب دائم لا يفارقه ، وهو عذاب النار. ومما يدل على كون العذاب الأول هو الذي في الدنيا ، والثاني هو هذاب الآخرة ، هو المقابلة وتكرر العذاب منكراً في اللفظ. وتوصيف الأول بالإخزاء والثاني بالاقامة. ٣
ورد لفظ ( مقيم ) في خمس آيات قرآنية للاشارة إلى إقامة العذاب ، وقد طرحنا تفسير ثلاث من هذه الآيات ، أما الآية الرابعة وهي قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) ، ٤ وقد وعد الله الكافرين في هذه الآية بعدم الخروج من النار من العذاب المقيم الدائم ، وسوف نشير إلى تفسير هذه الآية عند البحث عن الدليل الثالث.
أما الآية الخامسة التي ذكرت في سورة الزمر فهي تكرار للآية ٣٩ من سورة هود التي تقدم تفسيرها وهي قوله تعالى : ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ
________________
١. تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ٣٩٤ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ ؛ تفسير الميزان ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥.
٢. تفسير الكبير ، ج ١٧ ، ص ٢٢٥.
٣. راجع : تفسير الميزان ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥. |
٤. المائدة ، ٣٦ ، ٣٧. |