درجات من اليقين بحيث يمتنع في حقهم التكفير في المعصية فضلاً عن ارتكابها ، فكيف في الدار الآخرة التي تنكشف الحقائق للانسان ويرى الجنة والنار بأم عينه ؟ فكيف يجرؤ على التكفير في المعصية ، فضلاً عن ارتكابها على فرض إمكان وقوع المعصية من الانسان ، بالإضافة إلى وصول أهل الجنة إلى الغنى عن كل شيء بفضل الله ونعمه التي أنعمها عليهم ، فلا يحتاجون إلى شيء حتى يرتكبوا المعاصي من أجلها.
ولو سلب الاختيار من الانسان في الجنة ، فإنه يتحول إلى سجن وعذاب بدل أن يكون نعيماً ، وكم حدث ويحدث من ثورات للبشرية في مختلف بقاع العالم من أجل نيل حرية الاختيار والتحرر من العبودية والتسلط وكذا حال الدنيا ، فكيف في الدار الآخرة ، فهل من عدل الله تعالى أن يجعل الانسان مجبراً لا اختيار له في شيء وقد خلقه حراً وأعطاه الارادة والاختيار ؟
أما نسبة القول بفناء الجنة والنار إلى الجهم بن صفوان فلا يمكن القطع به والقول بصدوره منه جهم لأنّ هذا القول قد نسبه اليه خصومه من الأشاعرة ، وأهل الحديث أمثال فخر الرازي ١ والبغدادي ٢ وابن حزم ٣ وغيرهم ، ولم ينقله أحد من متكلمي الامامية من المتقدمين والمتأخرين وفق مقدار اطلاعي على كتبهم ، بالاضافة إلى تضارب آراء الناقلين في منشأ هذا القول. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على ضعف صدوره من الجهم بن صفوان.
نقل هذا القول الفخر الرازي دون أن يصرح باسم قائله ، حيث قال : من الناس من قال إن الوعيد الوارد في الكتب الإلهية إنما جاء للتخويف ، فأما فعل
________________
١. راجع : الفخر الرازي ، معالم اصول الدين ، ص ١٢١.
٢. راجع : اصول الدين ، ص ٢٣٨ ؛ الفرق بين الفرق ، ص ٣٣٩.
٣. راجع : الفصل في الملل والنحل ، ج ٢ ، ص ٣٩٥ ؛ الاصول والفروع ، ص ٤٣.