الجواب عن الدليل الأول والثاني سيأتي إن شاء الله في الفصل الرابع ، أما الجواب عن الدليل الثالث فنقول : إن كون إخلاف الوعيد كرم يمدح الرب به ، وكونه حقه إن شاء تركه وإن شاء استوفاه ، كل ذلك صحيح ، ولكن ليس على إطلاقه بحيث يكون شاملاً جميع المكلفين حتى الكفار لأن العفو عن الكفار غير ممدوح ، وإن الله عزّوجلّ قد هدد المنافقين والكفار بأنه سبحانه سوف لن يغفر لهم أبداً ، قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ، ١ وقوله : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ٢ وكأن ابن القيم لم يقرأ قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ). ٣
هذه الآيات صريحة في رد ما قاله ابن القيم ، وهو أن الله سبحانه لم يقل في موضع في كتابه بأنه لا يخلف وعيده ، لأن عدم المغفرة الأبدية ، كما أشارت إليه الآية يلازمه العقاب الأبدي.
وكذلك مذهب أهل السنّة في كون إخلاف الوعيد كرم ليس على إطلاقه ، فمذهب أهل السنة غير السلفية أجمعوا على خلود الكفار في النار ، ومقصودهم من كون إخلافه سبحانه للوعيد كرم في حق العاصين من المؤمنين ، وليس في حق الكفار والمشركين ، قال القرطبي : فمن قال إنهم
________________
١. المنافقون ، ٥ ، ٦. |
٢. التوبة ، ٨٠. |
٣. النساء ، ١٦٧ ـ ١٦٩. |