وإن كان ذلك يجعل نوعها نوعاً أشرف ، ولا يقعنّ عندك أن تفاريق الخطايا باتكة لعصمة النجاة ، بل إنما يهلك الهلاك السرمد ضرب من الجهل والرذيلة ، وإنما يعرض للعذاب المحدود ضرب من الرذيلة وحدّ منه ، وذلك في أقل أشخاص الناس ، ولا تصغ إلى من يجعل النجاة وقفاً على عدد ومصروفة عن أهل الجهل والخطايا صرفاً إلى الأبد ، واستوسع رحمة الله. ١
فالذي يستحق العقاب الأبدي في رأي الشيخ الرئيس ، هو من له الجهل المركب ، كما قال العلامة قطب الدين الراوندي في شرحه لعبارة الشيخ ، وأضاف : وأما الخلق فليس كل خلق ردىء موجباً للعذاب ، بل ما يتمكن في النفس تمكنا بالغاً. والموجب للعذاب لا يوجب إلا عذاباً محدوداً منقطعاً يزول العذاب ويحصل السعادة ٢.
لم يبق من آثار ابن الطفيل المتعددة التي نقلها المؤرخون في الفلسفة والطبيعيات والالهيات إلا رسالة بعنوان ( حي بن يقظان ) والذي صاغ فيها عقائده وأفكاره الفلسفية بصورة قصة متأثراً في ذلك بابن سينا الذي كتب قبله رسالة بنفس هذا العنوان.
وقد بحث ابن طفيل في هذه الرسالة عن مصير النفوس في الآخرة بعد انفصالها عن البدن ، وقسم النفوس بحسب سعادتها وشقاوتها في الآخرة إلى أربعة أقسام ؛ وهي النفوس السعيدة ، والنفوس الشقية التي مآلها إلى السعادة ، والنفوس الشقية إلى الأبد ، والنفوس التي لا تكون سعيدة ولاشقية.
ويرى ابن طفيل أن هذه السعادة والشقاوة تتوقف على مدى إدراك النفس
________________
١. المصدر السابق ، ص ٣٢٧ ، ٣٢٨
٢. راجع : المصدر السابق ، ص ٣٢٧ ( التعليقة ).