حال النفوس بعد مفارقة البدن بالحالات الثلاث للبدن من حيث الجمال والصحة ، قال الشيخ : كما أن أحوال البدن في هيئته ثلاثة : حال البالغ في الجمال والصحة ، وحال من ليس ببالغ فيها ، وحال القبيح والمسقام أو السقيم. والأول والثاني ينالان من السعادة العاجلة البدنية قسطاً وافراً أو معتدلاً أو يسلمان. كذلك حال النفوس في هيئتها ثلاثة : حال البالغ في فضيلة العقل والخلق وله الدرجة القصوى في السعادة الاخروية ، وحال من ليس له ذلك لا سيما في المعقولات إلا أن جهله ليس على الجهة الضارة في المعاد. وإن كان ليس له كثير ذخر من العلم جسيم النفع في المعاد ، إلّا أنّه في جملة أهل السلامة ونيل حظ ما من الخيرات الآجلة ، وآخر كالمسقام والسقيم هو عرضة الأذى في الآخرة. ١
الشيخ الرئيس في تقسيمه النفوس إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرناها اقتفى أثر الشارع في تقسيمه النفوس يوم القيامة إلى النفوس المؤمنة الصالحة التي لم تقترف ما يستحق بها العقاب فيكون مخلداً في الجنة ، والنفوس المؤمنة التي اقترفت بعض ما يستحق بها العقاب ، فيعذب بمقدار ما اقترفه من الذنوب وبعد انتهاء مدة العقاب يدخلون الجنة ويخلدون فيها إلى الأبد ، والنفوس الكافرة التي ليس لها الاعتقاد الصحيح والعمل الصالح فيستحقون الخلود في النار إلى الأبد.
وبناءً على ذلك نرى أن الشيخ الرئيس يرد على المعتزلة النافين للقسم الثاني والقائلين بأن السعادة نوع واحد لا تحصل إلا بالاستكمال في العلم ، وأن مرتكبي الخطايا والرذائل جميعاً مخلدون في العذاب ، وأن أهل النجاة في غاية القلة ، يقول الشيخ الرئيس : ولا يقعن عندك أن السعادة في الآخرة نوع واحد ، ولا يقعن عندك أن السعادة لا تنال أصلاً إلّا بالاستكمال في العلم ،
________________
١. المصدر السابق ، ص ٣٢٥.