فمقصود الفارابي من بطلان النفوس الجاهلة هو بطلانها وانعدامها عن مرتبة النفوس الفاضلة السعيدة لا بطلانها مطلقاً.
يبحث الشيخ الرئيس عن أحوال الأنفس الانسانية وسعادتها وشقاوتها بعد مفارقة البدن في العديد من كتبه ، خصوصاً في كتاب النجاة وإلهيات الشفاء والاشارات ، وفي هذا الصدد يقول الشيخ الرئيس : إن الأنفس الناطقة كما لها الخاص بها أن تصير عالماً عقلياً مرتسماً فيها صور المعقولات مبتدئة من مبدأ الكل ، وهو سالكة إلى الجواهر الشريفة الروحانية المطلقة ، ثم الروحانية المتعلقة نوعاً ما بالأبدان ، وهكذا حتى تنقلب عالماً معقولاً موازياً الموجود كله ، ومشاهداً لما هو الحسن المطلق والخير المطلق والجمال الحق ومتحداً. وهذه الكمالات في التذاذ النفس بها أعلى وأشرف في الكم والكيف من لذة الكمالات التي تحصل عن طريق سائر القوى مثل اللذة الحسية ، بل لا يقاس بالنسبة اليها سائر الكمالات. ولكن في عالمنا وبدننا هذين وانغمارنا في الرذائل لا نحس بتلك اللذة العقلية والروحية إذا حصل عندنا شيء من أسبابه. ١
وفي خصوص شقاوة النفوس وسبب حصول الشقاوة الأبدية لها ، يقول الشيخ الرئيس ما مضمونه : وأما إذا إنفصلنا عن البدن ، وكانت النفس منا قد تنبهت وهي في البدن لكمالها وعلم بوجوده ، ولكنه لم تحصله مع كونها نازعة اليه بطبعها ، وعدم تحصيله لكمالها كانت لانشغالها بالبدن الذي أنستها التوجه لكمالها وتحصيلها وعاقته عن استكمال نفسها ليصل إلى السعادة ، فعند ذلك شعر بالأذى والبلاء العظيم الذي لا ينتهي ، فهذه هي الشقاوة التي لا يعادلها تفريق النار للاتصال وتبديل الزمهرير للمزاج.
________________
١. راجع : ابن سينا ، الهيات الشفاء ، ص ٤٦٦ ، ٤٥٧ ؛ النجاة ، ص ٢٩٣ ، ٢٩٤ ؛ الاشارات ، ج ٣ ، ص ٣٤٥.