وتلك الشقاوة لا تكون لكل واحد من الناقصين ، بل للذين اكتسبوا للقوة العقلية التشوق إلى كمالها ، وإذا فارقت البدن ولم يحصل على كمالها وقعت في هذا النوع من الشقاء الأبدي. ١
وأشار إلى هذا المعنى أيضاً في الاشارات بقوله : واعلم أن رذيلة النقصان إنما تتأذى بها النفس الشيّقة إلى الكمال. وذلك الشوق تابع لتنبه يفيده الاكتساب. والبله بجنبة [ نجية ] من هذا العذاب. وإنما هو للجاحدين والمهملين والمعرضين عما ألمع به اليهم من الحق. ٢
فالشقاوة في رأي الشيخ الرئيس هي للنفوس التي تنبهت لكمالاتها وعلمت بها وحصلت لها بذلك الشوق إلى كمالها ، ولكنها غفلت عنها ، فقصرت في الحصول على هذه الكمالات مع حصول الشوق عندها ، أما نفوس البلهاء ، وهي النفوس الساذجة الصرفة ، لا يكون لها شوق إلى كمالاتها ، لانها لم تعرفها ، فهؤلاء لا يتعذبون لأنهم غير عارفين بكمالاتهم ، فلم يحصل لديهم شوق إلى كمالاتهم.
وبشأن النفوس السعيدة وعن حصول السعادة الأبدية لها ، يقول الشيخ الرئيس : وأما إذا كانت القوة العقلية بلغت من النفس حداً من الكمال يمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الاستكمال التام الذي لها أن تبلغه ، كان مثلها مثل الخدر الذي أذيق الطعم الألذ ، وعرض للحالة الأشهى وكان لا يشعر بها ، فزال عنه الخدر وطالع اللذة العظيمة دفعة ، وتكون تلك اللذة لا من جنس اللذة الحسية والحيوانية بوجه ، بل لذة تشاكل الحالة الطيبة التي للجواهر الحية المحضة ، وهي أجل من كل لذة وأشرف. ٣
________________
١. راجع : المصدر السابق ، ص ٤٦٨ ، ٤٦٩ ؛ ص ٤٩٤ ، ٤٩٥.
٢. ابن سينا ، الاشارات ، ج ٣ ، ص ٣٥٢.
٣. راجع : الهيات الشفاء ، ص ٤٦٨ ، ٤٦٩ ؛ النجاة ، ص ٤٩٤ ، ٤٩٥.