والسعادة الحقيقية في رأي الشيخ الرئيس لا يمكن الوصول اليها إلا باصلاح القوتين النظرية ، أي القوة العقلية ، والقوة العملية ، أي الجزء العملي من النفس ، فلا يكفي إصلاح القوة العقلية وحدها فبناءً على ذلك يقول الشيخ الرئيس ما ملخصه : إن السعادة الحقيقية لاتتم إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس ، وذلك بأن يحصل لها ملكة التويط للقوة الناطقة وللقوى الحيوانية معاً ، أما القوى الحيوانية فبأن تحصل فيها هيئة الإذعان للنفس ، وأما القوة الناطقة فبأن تحصل فيها هيئة الاستعلاء واللا إنفعال بالنسبة للبدن ، وأن يتجنب ملكة الافراط والتفريط في هذه القوى. فان الافراط والتفريط مقتضيا القوى الحيوانية ، فاذا حصل الافراط والتفريط في القوى الحيوانية تحصل لهذه القوى ملكة استعلائية ، وتحصل في النفس الناطقة هيئة إذ عانية ، وبترسيخ هذه الهيئة في النفس الناطقة يجعلها قوية العلاقة مع البدن شديدة الانصراف اليه ، فتحصل فيها ملكات ردية مبدؤها البدن ، ففي هذه الحالة إذا فارقت وفيها الملكة الحاصلة بسبب الاتصال بالبدن ، كانت قريب الشبه من الحالة وهي فيه ، وبما ينقص من ارتباطه بالبدن بالمفارقة يزول غفلته بهذا المقدار عن حركة الشوق الذي له إلى كماله ، وبما يبقى معه من التعلق والعلاقة بالبدن يكون محجوباً بذلك المقدار عن الإتصال بمحل سعادته ، فعند ذلك تأذت بالهيئات البدنية والملكات الردية المضادة لجوهرها المؤذية أذىً عظيماً ، ولكن هذا الأذى ليس لأمر لازم ، بل لأمر عارض غريب ، والأمر العارض الغريب لا يدوم ولا يبقى ، ويزول ويبطل مع ترك الأفعال التي كانت تثبت تلك الهيئة بتكررها ، فيلزم إذن أن تكون العقوبة بحسب ذلك غير خالدة ، بل تزول وتنمحي قليلاً حتى تركوا النفس وتبلغ السعادة التي تخصها. ١
________________
١. راجع : المصدرين السابقين ، ص ٤٧٠ ـ ٤٧٢ ، ص ٢٩٦ ، ٢٩٧.