وعلى هذا فالسعادة الحقيقية والمرتبة العليا من اللذة لا يمكن الوصول إليها الا بإصلاح القوتين النظرية والعملية معاً ، فاذا انصرفت النفس إلى اصلاح القوة النظرية وحدها دون الاهتمام بإصلاح القوة العملية فاكتسبت هيئات بدنية ردية ، فمثل هذه النفس بعد مفارقة البدن تصل في النتيجة إلى نوع من السعادة الخاصة بمرتبتها إلا أنها لا تصل إلى السعادة الحقيقة ، ولهذا يقول الشيخ عن الكاملين بحسب القوة النظرية والعملية : والعارفون المتنزهون إذا وضع عنهم درن مقارنة البدن وانفكوا عن الشواغل ، خلصوا إلى عالم القدس والسعادة ، وانتعشوا بالكمال الأعلى ، وحصلت لهم اللذة العليا. ١
أما عن مصير نفوس البلهاء أو النفوس الساذجة الصرفة فيقول الشيخ الرئيس : أما النفوس البله التي لم تكتسب الشوق ، فانها إذا فارقت البدن ، وكانت غير مكتسبة للهيئات الردية ، صارت إلى سعة من رحمة الله تعالى ونوع من الراحة ، وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنية الردية وليس عندها هيئة غير ذلك ولا معنى يضاده وينافيه ، فتكون لا محالة ممنوة بشوقها إلى مقتضاها ، فتتعذب عذاباً شديداً بفقد البدن ومقتضيات البدن من غير أن يحصل المشتاق اليه ، لان آلة ذلك قد بطلت وخلق التعلق بالبدن قد بقي. ٢
وقد أشار إلى هذا المعنى في الإشارات أيضاً بقوله : وأما البله فانهم إذا تنزهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم. ٣
فالشيخ الرئيس يعتقد أن نفوس البلهاء ، وهم الذين لم يكن لديهم شوق إلى الكمالات لأنهم لم يعرفوها لسبب نقص في استعداداتهم العقلية ، فهذه النفوس الخالية من الكمال إذا كانت خالية أيضاً عما يضاد الكمالات من الهيئات الردية ، فانها تصل إلى نوع من السعادة ، أما نفوس البلهاء الذين
________________
١. الاشارات ، ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، ٣٥٤.
٢. المصدر السابقين ، ص ٤٧٢ ، ص ٢٩٧. |
٣. الاشارات ، ج ٣ ، ص ٣٥٥. |