فعلى هذا لابد أن تكون الجنة موجودة بالذات ، والنار مقدرة بالعرض وبالتبع. ١
وعن علة انقطاع العذاب وكيفيته ينقل مضمون ما ذكره صدرالدين الشيرازي في الاسفار بقوله : فالنفوس الشقية مادامت على فطرة تدرك بها النقائص والأعدام الموصوفة بها التي من شأن تلك النفوس أن تتصف بمقابلاتها ـ فتكون لها آلام شديدة بحسبها ، فتلك الآلام باقية فيها إلى أن يزول عنها ادراكها ، إما بتبدل فطرتها إلى فطرة أدنى وأخس من تلك الفطرة ، أو بزوال تلك النقائص والاعدام بحصول مقابلاتها من جهة إرتفاع حال تلك النفوس وقوة كمالاتها واشتغالها بادراك أمور عالية ، كانت تعتقدها من قبل ، وصارت ذاهلة عنها ممنوعة عن إدراكها ، لانصراف توجهها عنها إلى تلك الشواغل الحسية ، فعلى التقديرين يزول العذاب وتحصل الراحة. ٢
وخلاصة القول إن الفيض الكاشاني يذهب إلى انقطاع العذاب عن الكفار ، وأنهم ليسوا بمخلدين في العذاب ، والظاهر أنه يذهب إلى خلود الكفار في جهنم وانقطاع العذاب عنهم وهم في النار ، ووصولهم فيها إلى نوع من الراحة بدليل استشهاده بأقوال بعض العرفاء أمثال ابن عربي ، وعبد الرزاق الكاشاني ، حيث أشاروا فيها إلى خلود الكفار في النار مع انقطاع العذاب عنهم وهم في النار ، وتلذذهم بالنار والزمهرير ، لكون طبيعتهم تقتضي ذلك.
وتمسك في إثبات انقطاع العذاب عن الكفار بعدد من الأدلة ، منها : أن السعادة والشقاوة بقضاء الله ، وأن الرحمة الالهية واسعة وشاملة لكل شيء لقوله تعالى : ( ... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... ) وهذه الرحمة ذاتية والشرور عرضية ، والعرضي إما أن يزول ويرجع النفس إلى فطرتها ، أو أن تتبدل فطرتها إلى فطرة أخس ، وهي الفطرة البهيمية ، وعلى التقديرين يزول العذاب وتحصل الراحة.
__________________
١. المصدر السابق ، ص ١٧٩ ، ١٨٠ |
٢. المصدر السابق ، ص ١٨٠ |