لها ، فهذه الآثار آثار كمالية لها ملائمة من حيث أنها مؤلمة منافرة لانكشاف حقيقتها للإنسان في النشأة الآخرة. وهذا نظير من اعتاد بشيء من العادات المضرة الهادمة لبنيان الحياة ، ثم انكشف له مضرتها بعد استقرار العادة ، فانه عند الفعل يتألم بعين ما يلتذ.
وأما على الشق الثاني ـ هو البقاء على الفطرة الانسانية ـ فان تلك العوارض المؤلمة المعذبة ، وإن كانت قسرية إلّا أن شيئاً منها ليس بدائم ولا أكثري ، بل متواردة متبدلة ، والنفس في طريق الاستكمال في شقاوتها ، يعرضها عارض من العذاب بعد عارض بتفاعل هيئات الشقاوة بعضها مع بعض إلى غير النهاية. كما يلوح إليه قوله تعالى : ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) ، وقوله تعالى : ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) وبالجملة : العذاب من قبيل القسر ، لكن الدائم هو نوع العذاب دون شخصه ، وهم لا يمنعون دوام القسر النوعي وأكثريته. ١
العلامة الطباطبائي تعرض في تفسيره إلى بعض الاشكالات المترتبة على القول بالخلود في العذاب ، والمطروحة أصلاً من قبل صدرالدين الشيرازي وبعض العرفاء أمثال ابن عربي والقيصري وغيرهم ، وقد أجاب عنها العلامة بإجابات وافية شافية ، وفيما يلي خلاصة هذه الاشكالات مع أجوبتها :
١. إن الله سبحانه ذو رحمة واسعة غير متناهية ، فكيف يسع رحمته أن يخلق من مصيره إلى عذاب خالد لايقوم له شيء ؟
الجواب : إن الرحمة فيه تعالى ليس رقة القلب والإشفاق والتأثر الباطني ، فانها تستلزم المادة ـ تعالى عن ذلك ـ بل معناها العطية والافاضة لما يناسب الاستعداد التام الحاصل في القابل ، والرحمة رحمتان : رحمة عامة ، وهي
________________
١. الاسفار ، ج ٧ ، ص ٨٩ ، ٩٠ ( التعليقة )