يتعقبها لسان ذرب ، وجنان ثابت يعرِّفان الاُمّة ضلال ابن ميسون ، وطغيان ابن مرجانة باعتدائهما على الذريّة الطاهرة ، الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعوه في الشريعة المقدّسة.
كما عرف (أبيّ الضيم) خوف رجال الدِّين من التظاهر بالإنكار ، وخضوع الكلِّ للسلطة الغاشمة ، ورسوف الكثير منهم بقيود الجور ؛ بحيث لا يمكن لأكبر رجل الإعلان بفظاعة أعمالهم. وما جرى على ابن عفيف الأزدي ، يؤكّد هذه الدعوى المدعومة بالوجدان الصحيح.
وعرف سيّد الشهداء من حرائر الرسالة الصبر على المكاره ، وملاقاة الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ؛ فلا يفوتهن تعريف الملأ ، المغمور بالترهات والأضاليل نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدِّين ، وأنّ الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم (ع) ـ قتيل الحنيفيّة ـ إحياء شريعة جدّه (ص).
والعقائل من آل الرسول (ص) ، وإنْ استعرت أكبادهن بنار المصاب ، وتفاقم الخطب عليهن ، وأشجاهنّ الأسى ، لكنهنّ على جانب عظيم من الأخذ بالثأر ، والدفاع عن قدس الدِّين.
وفيهنّ (العقيلة) ابنة أمير المؤمنين سلام الله عليها ، التي لم يرعها الأسر وذلّ المنفى ، وفقد الأعزاء وشماتة العدوّ ، وعويل الأيامى وصراخ الأطفال وأنين المريض ، فكانت تلقي خواطرها بين تلك المحتشدات الرهيبة ، أو فقل بين المخلب والنّاب غير متلعثمة ، وتقذفها كالصواعق على مجتمع خصومها. فوقفت أمام ابن مرجانة ، ذلك الألد ، وهي امرأة عزلاء ليس معها من حماتها حمي ، ولا من رجالها ولي غير الإمام الذي أنهكته العلّة ، ونسوة مكتنفة بها ، بين شاكية وباكية ، وطفل كظّه العطش ، إلى اُخرى أقلقها الوجل ، وأمامها رأس علّة الكائنات ورؤوس صحبه وذويه ، وقد تركت تلك الأشلاء المقطّعة في البيداء تصهرها الشمس ، والواحدة من هذه تهدّ القوى ، وتبلبل الفكر.
لكن (ابنة حيدرة) كانت على جانب عظيم من الثبات والطمأنينة ، فأفرغت عن لسان أبيها بكلام أنفذ من السّهم ، وألقمت ابن مرجانة حَجراً ، إذ قالت له : «هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ؛ فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لِمَن الفلج. ثكلتك اُمّك يابن مرجانة!».