هذا الماء ، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي (١) : لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم ، قال مسلم (ع) : من أنت؟ قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، فقال له ابن عقيل : لاُمّك الثكل ، ما أقساك وأفظّك ، أنت ابن باهلة أولى بالحميم ، ثمّ جلس وتساند إلى حائط القصر (٢).
فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط غلاماً له يُدعى قيساً (٣) فأتاه بالماء ، وكلّما أراد أنْ يشرب ، امتلأ القدح دماً ، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً وسقطت فيه ثناياه فتركه وقال : لو كان من الرّزق المقسوم لشربتُه.
وخرج غلام ابن زياد فأدخله عليه ، فلم يسلِّم ، فقال له الحرسي : ألا تسلِّم على الأمير؟ قال له : اسكت إنّه ليس لي بأمير (٤) ، ويقال أنّه قال : السّلام على من اتبع الهدى وخَشِي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى ، فضحك ابن زياد وقال : سلَّمت أو لَمْ تسلِّم إنّك مقتول (٥) ، فقال مسلم : إنْ قتلتني فلقد قَتَل مَنْ هو شرّ منك مَنْ هو خيراً منّي ، وبعد فإنّك لا تدع سوء القتلة ولا قبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك.
فقال ابن زياد : لقد خرجتَ على إمامك ، وشققتَ عصا المسلمين ، والقحت الفتنة ، قال مسلم : كذبت إنّما شقّ العصا معاوية وابنه يزيد ، والفتنة ألقحها أبوك ، وأنا أرجوا أنْ يرزقني الله الشهادة على يد شرّ بريّته (٦).
ثمّ طلب مسلم أنْ يوصي إلى بعض قومه فأذِن له ونظر إلى الجلساء فرأى عمر بن سعد ، فقال له : إنّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، ويجب عليك نجح حاجتي وهي سرّ. فأبى أن يمكّنه من ذكرها ، فقال ابن زياد : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه بحيث يراهما ابن زياد ، فأوصاه مسلم أنْ
__________________
(١) في كامل ابن الأثير ٤ ص ١٢٦ حوادث سنة (٧١ ـ) : مسلم بن عمرو الباهلي ، والد قتيبة ، وفي تاريخ الطبري ٧ ص ١٨٥ الطبعة الاُولى حوادث سنة (٧١ ـ) : قتل مسلم بن عمرو الباهلي (بدير الجاثليق) وكان مع مصعب بن الزبير لمّا التقى مع جيش عبد الملك ..
(٢) الارشاد للشيخ المفيد.
(٣) الطبري ٦ ص ٢١٢ : وعند المفيد : أنّ عمرو بن حريث بعث غلامه سليما فأتاه بالماء.
(٤) اللهوف ص ٣٠ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢١٢.
(٥) المنتخب ص ٣٠٠.
(٦) ابن نما ص ١٧ ، ومقتل الحوارزمي ١ ص ٢١١ الفصل العاشر.