حفظنا غيبة رسوله فيك ، أما والله لو علمتُ أنّي اُقتل ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ثمّ اُذرّى ، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ، لَما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!
وقال زهير بن القين : والله وددتُ أنّي قُتلتُ ثمّ قُتلت حتّى اُقتل كذا ألف مرّة ، وإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.
وتكلّم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضاً فجزّاهم الحسين خيراً (١).
وفي هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد اُسِر ابنك بثغر الري فقال : ما اُحبّ أنْ يؤسر وأنا أبقى بعده حيّاً فقال له الحسين : «أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ولدك» ، قال : لا والله لا أفعل ذلك ، أكلتني السّباع حيّاً إنْ فارقتك. فقال (عليه السّلام) : «إذاً اعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه» ـ وكان قيمتها ألف دينار ـ (٢).
وتناديت للذبّ عنه عصبة |
|
ورثوا المعالي اشيباً وشبابا |
من ينتدبهم للكريهة ينتدب |
|
منهم ضراغمة الاسود غضابا |
خفّوا لداعي الحرب حين دعاهم |
|
ورسوا بعرصة كربلاء هضابا |
اسد قد اتخذوا الصوارم حلية |
|
وتسربلوا حلق الدروع ثيابا |
تخذت عيونهم القساطل كحلها |
|
واكفُّهم فيض النجيع خضابا |
يتمايلون كأنّما غنى لهم |
|
وقع الظّبي وسقاهم اكوابا |
برقت سيوفهم فأمطرت الطّلي |
|
بدمائها والنقع ثار سحابا |
وكأنّهم مستقبلون كواعباً |
|
مستقبلين أسنّة وكعابا |
وجدوا الردى من دون آل محمّد |
|
عذباً وبعدهم الحياة عذابا (٣) |
ولمّا عرف الحسين منهم صدق النيّة والإخلاص في المفاداة دونه ، أوقفهم على غامض القضاء فقال : «إنّي غداً اُقتل وكلّكم تقتلون معي ولا يبقى منكم أحد (٤)
__________________
(١) إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩.
(٢) اللهوف ص ٥٣.
(٣) للعلامة السيد رضا الهندي رحمه الله.
(٤) نفس المهموم ص ١٢٢.