وقد أخبرني جدّي رسول الله (ص) بأنّي ساُساق إلى العراق فأنزلُ أرضاً يقال لها عمورا وكربلاء ، وفيها اُستشهد. وقد قرب الموعد.(١)
ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً خيراً! وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، ولَو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري».
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن علي وتابعه الهاشميّون.
والتفت الحسين إلى بني عقيل وقال : «حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذِنت لكم». فقالوا : إذاً ما يقول النّاس ، وما نقول لهم؟ أنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام؟! ولَمْ نرمِ معهم بسهم ولَمْ نطعن برمح ولَمْ نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا؟! لا والله لا نفعل ، ولكن نفيدك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، نقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك (٢).
نفوس أبت إلاّ تراب أبيهم |
|
فهم بين موتور لذاك وواتر |
لقد ألفت أرواحهم حومة الوغى |
|
كما أنست أقدامهم بالمنابر (٣) |
وقال مسلم بن عوسجة : أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله ، لا اُفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لَمْ يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت معك.
وقال سعيد بن عبدالله الحنفي : والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد
__________________
(١) إثبات الرجعة.
(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٣٨ ، والكامل ٤ ص ٢٤ ، والإرشاد للمفيد ، وإعلام الورى ص ١٤١ ، وسِير أعلام النبلاء للذهبي ٣ ص ٢٠٢.
(٣) مثير الأحزان لابن نما ص ١٧.