المجتبى وحجّة الله على الورى ، نعم هو الآية المخزونة والرحمة الموصولة والأمانة المحفوظه والباب المبتلى به النّاس.
فمصابه يقلّ فيه البكاء ، ويعز عنه العزاء. فلو تطايرت شظايا القلوب وزهقت النّفوس جزعاً لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه. أو ترى للحياة قيمة والمؤدّى به هو ذلك العنصر الحيوي الزاكي. وما قدر الدمع المراق والموتور ثار الله في الأرض؟ أو يهدأ الكون والذاهب مرساه ومنجاه في مسراه؟ وهل ترقأ العين وهي ترنو بالبصيرة إلى ضحايا آل محمّد مجزّرين على وجه الصعيد مبضعة أجسادهم بين ضريبة للسيوف ودرية للرماح ورمية للنبال؟ وقد قضوا وهم رواء الكون ظماء على ضفة الفرات الجاري ، تلغ فيه الكلاب وتشرب منه وحش الفلا ، غير أنّ آل محمد (ص) محلأون عنه؟ وللمذاكي عقرن فلا يلوى لهنّ لجام ، تجوال على تلك الصدور الزواكي ولصدر الحسين حديثه الشجي :
وأعظم خطب أنّ شمراً له على |
|
جناجن صدر ابْن النبيّ مقاعد |
فشُلَّت يداه حين يفري بسيفه |
|
مقلّد من تلقى إليه المقالد |
وأىّ فتى أضحت خيول اُميّة |
|
تعادى على جثمانه وتطارد |
فلهفي له والخيل منهنَّ صادر |
|
خضيب الحوافي في دماه ووارد (١) |
فاللازم على الموالي المتأسّي بالنّبي الأعظم الباكي على ولده بمجرّد تذكّر مصابه (٢) أنْ يقيم المأتم على سيّد الشهداء ، ويأمر مَن في داره بالبكاء عليه ، وليعزّ بعضهم بعضاً بالحسين ، فيقول كما في حديث الباقر (ع) : «عظّم الله اُجورنا واُجوركم بمصابنا بالحسين ، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه المهدي من آل محمّد (عليهم السّلام)» (٣).
دخل عبد الله بن سنان على أبي عبد الله الصادق (عليهم السّلام) في يوم عاشوراء ، فرآه كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ فقال له : مِمَّ بكاؤك يابن رسول الله؟ قال عليه السّلام : «أوَفي غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسين اُصيب في هذا اليوم؟» ، ثمّ أمره أنْ يكون كهيئة أرباب المصائب ، يحلل
__________________
(١) للشيخ جعفر الخطي ، كما في الدر النضيد ص ٩٣.
(٢) الخصائص للسيوطي ٢ ص ١٢٥ ، وأعلام النبوّة للماوردي ص ٨٣.
(٣) كامل الزيارات ص ١٧٥ ، ومصباح المتهجّد للشيخ الطوسي ص ٣٩.