بحضور الدرس وأداء مهمة التدريس والاعتكاف شغله الشاغل ، فكان يرضى من عيشه بالبُلغة ، وكم رغب إليه المرحوم آية الله الزعيم الديني أبو الحسن الاصفهاني أن يحضر إليه ؛ ليكون وكيلاً عنه في إحدى هذه الحواضر الكبرى من مدن العراق ، وحينئذ يكون رخاء الحياة ، ولكنه لا يرضيه ذلك العرض ، ولا تزدهيه تلك المهمة ، وكل ما في نفسه أنه راضٍ بقسمه تعالى ، قانع بما يتهيأ له من أسباب الحياة ، ويهمه أن يملأ نفسه من زاد العلم ، ويشبع مما في كنوزها من دقائق الذخائر. وبالجد والمثابرة المتواصلة نال المكانة المحترمة بين أهل الفضل.
كان يتحدث ـ رحمه الله ـ كثيراً عن مثل تلك الرغبات التي يريدها له أصحاب المراجع. كان يعلل رفضه بأن النفس لا يكبح جماحها إذا تهيأت لها غضارة العيش ورخاء الحياة ، وربما تغمسه في أشياء اُخرى. هذه التعليلات وأمور اُخرى لم يفصح عنها هي سبب الرفض ، وكان كتوماً في مثل هذه الشؤون!.
أمّا صفاته الجسمية ، فقد كان نحيفاً في قامة معتدلة ، وفي اُخريات أيامه ـ حينما اصطلمت عليه العلل ـ كان يغالب نفسه بأن يكون معتدل القامة ، رافع الرأس. كان يرتاح أن يباشر شؤون إقامة المجلس في المناسبات العديدة للأئمة الأطهار وأصحابهم البررة ، وايمانه بهم وبكرامتهم عند الله كان كثيراً ما يتوسل إليهم في رفع البلوى ورفع الضر ، ولِمَ لا يفعل ذلك؟ ألم يكن الإمام أبو الحسن علي الهادي (عليه السّلام) يأمر أبا هاشم الجعفري أن يطلب من رجل ليدعو له عند مرقد سيّد الشهداء (عليه السّلام)؟!.
كان رحمه الله مستوفز الأعصاب ، تستثيره البادرة التي لا يرضاها ، وينفعل لسماع ما لا تطمئن إليه النفس ، رقيق القلب ، وافر الدمعة لدى سماعه مصاب آل الرسول (عليهم السّلام). هذه اُمور تضعف الركن الشديد ، فكيف بعلل وشدائد صحية عديدة لا تفارقه واحدة حتّى تنتابه اُخرى ، ومع هذا كلِّه يفزع إليهم (عليهم السّلام) ، يتوسل إليهم بجاههم عند الله تعالى أن يكشف العسر ويدفع الضر. وكان يعتقد اعتقاداً جازماً إنالله تعالى لم يمد في عمره إلا
_____________
(١) مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرم ص ٣٨ (هذه الطبعة)