العزاء بعد فقده. فلا غرو إذا اجتمعن عليه وأحطن به وتعلّقن بأطرافه ، بين صبيّ يئنّ ، ووالهة أذهلها المصاب ، وطفلة تطلب الأمن ، واُخرى تنشد الماء. إذاً فما حال سيّد الغيارى ومثال الحنان وهو ينظر بعلمه الواسع إلى ودائع الرسالة وحرائر بيت العصمة ، وهنّ لا يعرفن إلاّ سجف العزّ وحجب الجلال ، كيف يتراكضن في هذه البيداء المقفرة بعولة مشجية ، وهتاف يفطّر الصخر الأصمّ وزفرات متصاعدة من أفئدة حرّى ، فإنْ فررن فعن السّلب ، وإنْ تباعدن فمن الضرب. ولا محام لهن غير الإمام الذي أنهكته العلّة
فلو أنّ أيّوباً رأى بعض ما رأى |
|
لقال بلى هذا العظيمة بلواه |
أمّا عقيلة بني هاشم زينب الكبرى فإنّها تبصر هذا وذاك فتجد عروة الدِّين الوثقى عرضة للانفصام ، وحبل النبوّة آيلاً إلى الانصرام ، ومنار الشريعة إلى الخمود ، وشجرة الإمامة إلى الذبول.
تنعى ليوث البأس من فتيانها |
|
وغيوثها إنْ عمّت البأساء |
تبكيهُمُ بدم فقل بالمهجة الحرا |
|
تسيل العبرة الحمراء |
حنّت ولكنَّ الحنين بكا وقد |
|
ناحت ولكنّ نوحها ايماء (١) |
والتفت الحسين (ع) إلى ابنته سكينة ، التي يصفها للحسن المثنّى بأنّ الاستغراق مع الله غالب عليها ، فرآها منحازة عن النّساء باكية نادبة ، فوقف عليها مصبّراً ومسلياً ، ولسان حاله يقول :
هذا الوادع عزيزتيوالملتقى |
|
يوم القيامة عند حوضالكوثر |
فدعي البكاء وللأسار تهيّأي |
|
واستشعري الصبر الجميل وبادري |
وإذا رأيتيني على وجه الثّرى |
|
دامي الوريد مبضّعاً فتصبّري (٢) |
فقال عمر بن سعد : ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه ، والله إنْ فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم. فحملوا عليه يرمونه بالسّهام حتّى تخالفت السّهام بين أطناب المخيّم وشكّ سهم بعض اُزر النّساء ، فدهشنَ وارعبنَ وصحن ودخلن الخيمة ، ينظرن إلى الحسين (ع) كيف يصنع ، فحمل عليهم
__________________
(١) من قصيدة لكاشف الغطاء (قدس سره).
(٢) للخطيب الشيخ مسلم ابن الخطيب الشيخ محمّد علي الجابري النجفي رحمهما الله تعالى.