عرفت أن شهيد العظمة مَن هو؟ وما هي أعماله؟ وبطبع الحال تعرّف قبل كلّ شيء موقف مناوئه ، وما شيبت به نفسيته من المخازي.
نحن لو تجردنا عما نرتئيه (لحسين الصلاح) من الإمامة والحق الواضح ـ الذي يقصر عنه في وقته أي ابن اُنثى ـ لم تدع لنا النصفة مساغاً لاحتمال مباراته في سيرة طاغية عصره ، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر. فإن سيّد شباب أهل الجنّة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتّى يتنازل إلى مجاراته؟ ولقد كان (ع) يربأ بنفسه الكريمة حتّى عن مقابلة أسلافه.
أترى أن الحسين يقابل أبا سفيان بالنبي الكريم ، أو معاوية بأمير المؤمنين ، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها ، أو ميسون بسيّدة العالمين ، أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام ، أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق ، أو الشَّرَه المخزي بنزاهة نفسه المقدسة؟! إلى غيرها مما يكلُّ عنه القلم ، ويضيق به الفم.
لقد كانت بين الله سبحانه وتعالى ، وبين اوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم ، وتنحسر أفكار القاصرين حتّى أعمتهم العصبية؛ فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر ، وأبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن ، فقالوا : إن الحسين قُتل بسيف جدّه ؛ لأنه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أن تمت البيعة له ، وكملت شروط الخلافة باجماع أهل الحلِّ والعقد ، ولم يظهر منه ما يشينه ويزري به!! (١).
__________________
(١) عبارة أبي بكر ابن العربي الاندلسي في كتابه العواصم ص ٢٣٢ ، تحقيق محب الدين الخطيب ، ط سنة ١٣٧١. قال رسول الله (ص) : «ستكون هنات ، فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة ، وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان». فما خرج عليه أحد إلا بتأويل ، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جدّه (ص) انتهى. وقال محب الدين في التعليق على هذا الحديث : ذكره مسلم في الصحيح ، في كتاب الأمارة. قلت : هو في الجزء الثاني ص ١٢١ ، كتاب الأمارة بعد الغزوات ، أخرجه عن زياد بن علاقة عن عرفجة عنه (ص) (وابن علاقة) سيِّىء المذهب ، منحرف عن أهل البيت كما في تهذيب التهذيب ٢ ص ٣٨١. وذكر عرفجة في ج ٧ ص ١٧٦ ، ولم ينقل له مدح أو ذم ، فهو من المجهولين لا يؤبه بحديثه.
والعجب من التزامه بصحة خلافة يزيد وهو يقرأ حديث النبي (ص) لا يزال أمر اُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني اُميّة يقال له يزيد ، رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ عن مسند أبي يعلى والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه (ص) : أول من يبدل سنتي رجل من بني اُميّة يقال له يزيد وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري باب قول النبي (ص) : هلاك اُمّتي على يدي اُغيلمة من اُمّتي عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : هلكة اُمّتي على يدي غلمة من قريش ، قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ج ١٣ ص ٧ : كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول : اللهم لا تدركني سنة ستين ولا أمارة الصبيان قال ابن حجر : أشار بذلك إلى خلافة يزيد فإنها في سنة ستين ولم يتعقبه.