أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون قتْل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة ، ومدرة حجّتكم ومنارمحَجّتكم ، وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، ألا ساء ما تزرون.
فتعساً ونكساً وبُعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السّعي وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ورسوله ، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السّموات يتفطّرن منه ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هدّاً.
ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض (١) وملء السّماء. أفعجبتم أنْ مطرت السّماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا يُنصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإنّ ربّكم لَبِالمرصاد (٢).
__________________
الأثير مادة قصص في حديث زينب يا قصة على ملحودة شبهت اجسامهم بالقبور المتخذة من الجص وانفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور ، والذي أراه ان النكتة في هذه الاستعارة ان القصة بلغة الحجاز الجص والملحودة القبر لكونه ذا لحد فكأن القبر يتزين ظاهره ببياض الجص ولكن داخله جيفة قذرة وأهل الكوفة وان تزين ظاهرهم بالاسلام الا ان قلوبهم كجيف الموتى بسبب قيامهم باعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادي الصحيحة وقد انفردت (متممة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة التي لم يسبقها مهرة البلغاء اليها لانها ارتضعت در (الصديقة الكبرى) التي اخرست الفصحاء بخطابها المرتجل يوم أجمع القوم على غصبها حقها مع ما اكتنفها من فوادح تبلبل فكر البليغ فعرفت الحاضرين ومن يأت من الاجيال عظيم الجناية وخسران الرضوان الاكبر كما ان سيد الاوصياء نسه عرف اولئك المتجمهرين على غصب حقه المجعول له من الله سبحانه يوم الغدير ويوم المنزلة ويوم الاعلان بالثقلين في خطبته المعروفة بالوسيلة التي خطبها في مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) بسبعة أيام وقد فرغ من جمع القرآن كما نص عليه الكليني في روضة الكافي.
(١) في تهذيب اللغة ٣ ص ١٧١ ، ومقاييس اللغة ٣ ص ٤١٩ ، والمغرب للمطرزي ٢ ص ١٧ ، والفايق ١ ص ١٢٥ ، والنّهاية ، واللسان ، وتاج العروس كلّهم مادّة (طلع). وذكر في اللسان حديث النبي (ص) : رأى رجلاً به بذاذة تعلو عنه العين ، فقال : «هذا خير من طلاع الأرض ذهباً». إنّ طلاع الأرض ملؤها حتّى يسيل. وفي حديث عمر بن الخطّاب عند موته : لو أنّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هَول المطلع. وهو يملؤها حتّى يطلع عنها ويسيل. وفي الفايق عن الحسن البصري قال : لئن أعلم أنّي بريء من النّفاق أحبّ إليّ من طلاع الأرض ذهباً ، وهو ملؤها.
(٢) رتّبنا الخطبة من أمالي الشيخ الطوسي ، وأمالي ابنه ، واللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، واحتجاج الطبرسي.