الطغيان. ولا بدع القدرة الإلهيّة إذا مكّنت رأس الحسين (ع) من الكلام للمصالح التي نقصر عن الوصول إلى كنهها بعد أن اُودعت في الشجرة (١) قوّة الكلام مع نبي الله موسى بن عمران (عليه السّلام) عند المناجاة ، وهل تقاس الشجرة برأس المنحور في طاعة الرحمن سبحانه؟ ... كلاّ.
قال زيد بن أرقم : كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس وهو يقرأ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) فوقف شعري وقلت : والله يابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب (٢).
ولمّا نُصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارّة وضوضاء المتعاملين ، فأراد سيّد الشهداء توجيه النّفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته ، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتّجهت إليه النّاس واعترتهم الدهشة ؛ حيث لَم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين (ع) ، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
وصُلب على شجرة فاجتمع النّاس حولها ينظرون إلى النّور السّاطع ، فأخذ يقرأ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)(٣).
قال هلال بن معاوية : رأيت رجلا يحمل رأس الحسين (ع) والرأس يخاطبه : فرَّقت بين رأسي وبدني فرق الله بين لحمك وعظمك وجعلك آية ونكالا للعالمين فرفع السوط واخذ يضرب الرأس حتّى سكت (٤).
وسمع سليمة بن كهيل الرأس يقرأ وهو على القناة (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥).
__________________
(١) الدر المنثور ٢ ص ١١٩ : آية (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ). والبحار ٥ ص ٢٧٨ : نقلاً عن المهج. وفي قصص الأنبياء للثعالبي ص ١٢٠ الباب الثامن : خروج موسى من مدين.
(٢) إرشاد المفيد ، والخصائص الكبرى ٢ ص ١٢٥.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ ص ٣٦٢ : كان زيد بن أرقم من المنحرفين عن أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) فإنّه كتم الشهادة لأمير المؤمنين بالولاية يوم الغدير ، فدعا عليه بالعمى ؛ فكفّ بصره إلى أنْ مات. وفي كامل ابن الأثير ٤ ص ٢٤ : أمر ابن زياد ، فطيف برأس الحسين (ع) في الكوفة. ومثله في البداية لابن كثير ٨ ص ١٩١ ، والخطط المقريزيّة ٢ ص ٢٨٨.
(٣) ابن شهر آشوب ٢ ص ١٨٨.
(٤) شرح قصيدة أبي فراس ص ١٤٨.
(٥) أسرار الشهادة ص ٤٨٨.