وقبل أنْ يدخلوهم إلى مجلس يزيد ، أتوهم بحبال فربقوهم بها ، فكان الحبل في عنق زين العابدين (ع) إلى زينب اُمّ كلثوم وباقي بنات رسول الله (ص) ، وكلّما قصروا عن المشي ضربوهم حتّى أوقفوهم بين يدَي يزيد ، وهو على سريره ، فقال على بن الحسين (ع) : «ما ظنّك برسول الله لَو يرانا على هذا الحال؟» فبكى الحاضرون ، وأمر يزيد بالحبال فقُطعت (١).
واُقيموا على درج باب الجامع حيث يقام السّبي ، ووُضع الرأس المقدّس بين يدَي يزيد ، وجعل ينظر إليهم ويقول :
صبرنا وكان الصبر منّا عزيمةً |
|
وأسيافنا يقطعنَ هاماً ومعصما |
نُفلّق هاماً من رجال أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (٢) |
ثمّ التفت إلى النّعمان بن بشير وقال : الحمد لله الذي قتله. فقال النّعمان : قد كان أمير المؤمنين معاوية يكره قتله. فقال يزيد : قد كان ذلك قبل أنْ يخرج ، ولو خرج على أمير المؤمنين لقتله (٣).
فليت السّما حقاً على الأرض اُطبِقَتْ |
|
وطاف عن الدنيا الفناء أو النشر |
||
بنات عليٍّ وهي خير حرائر |
|
يباح بأيدي الأدعياء لها ستر |
||
سبايا على عَجْف المطايا حواسراً |
|
يودّعها مصر ويرقبها مصر |
||
فإنْ دمعت منهنَّ عين وقصَّرت |
|
عن المشي إعياء مخدرة طهر |
||
__________________
(١) الأنوار النّعمانيّة ص ٣٤١ ، واللهوف ص ١٠١ ، وتذكرة الخواص ص ٤٩.
(٢) مرآة الجنان لليافعي ١ ص ١٣٥. وفي كامل ابن الأثير ٤ ص ٣٥ ، وعليه مروج الذهب : لما اُدخل الرأس عليه ، جعل ينكته بقضيب ويتمثّل بقول الحصين بن حمام.
أبى قومنا أن ينصفونا فانصفت |
|
قواضب في أيماننا تقطر الدما |
نفلق هاماً من رجال أعزة |
|
علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما |
وفي العقد الفريد ٢ / ٣١٣ ، في خلافة يزيد قال : لمّا وُضع الرأس بين يدَيه تمثّل يزيد بقول الحصين بن الحمام المزني وذكر البيت الثاني ، واقتصر ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٨ على البيت الثاني ، واقتصر الخوارزمي في المقتل ٢ / ٦١ على وقوفهم على درج باب الجامع ، وهذان البيتان للحصين بن الحمام ذكرهما في المؤتلف والمختلف للآمدي / ٩١ ، قال : إنّ الحصين بن حمام بن ربيعة (إلى آخر نسبه) قال من قصيدة طويلة وذكر ثلاثة أبيات فيها البيتان. وفي الشعر والشعراء / ١٥١ ، ذكر ثلاثة أبيات فيها البيت الثاني. وفي الأشباه والنظائر / ٤ من أشعار المتقدّمين والجاهلين للخالديين اقتصر على البيت الثاني. وفي الأغاني ١٢ / ١٢٠ ، طبعة ساسي ذكر ثلاثة عشر بيتاً فيها البيتان.
(٣) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٥٩.