أوتي هؤلاء الضعفاء نصيبا من القوة ، فانهم يقفون بوجه الاقوياء للمطالبة بحقوقهم المادية، فاما أن يبادوا بيد القوياء أو يعودوا الى السكوت والرضوخ بعد أن يغدق الاقوياء عليهم بعض العطايا ويمنحونهم بعض الامتيازات، أو تسنح الفرضة لان ينقضّ الضعفاء على الاقوياء ويستلموا منهم السلطة، وسصبحوا هم المتحكون، وتعود معادلة القوة المادية تفرض نفسها بشكل جديد على المجتمع.
وهذا مانشاهده بوضوح في حركة البلدان الاوربية المعاصرة اليوم.
أما المجتمعات المتحركة على طريق المثل الانسانية الالهية فلهاشأن آخر. قدينشب في مثل هذه المجتمعات أيضا صراع مادّي، لكنه صراع جانبي يدور على هامش الصراع الاساسي في هذا المجتمع. المحور الاساس للصراع في هذا المجتمع يتمثل في صراع الحق مع الباطل؛ أي صراع بين نوعين من القيم، ونوعين من التفكير ونوعين من الاتجاهات.
على مسرح هذا الصراع تقف فئتان: اِحداهما راسفة ي أغلال البهيمية ومزّودة بكل ألوان الحيل والمكر والخديعة ومعتمدة على قوة المال والسلاح. والاخرى متحررة من أغلال الطين والحمأ المسنون ومتسامية في أهدافها وتطعاتها وغاياتها، وملتزمة بالسير على طريق التكامل الانساني وتحرير الانسان من قيود العبودية لغيرالله ومن الرضوخ الى الظلم والاستبداد.
هذه الفئه الاخيرة تواجه مشكلين: الاولى ـ مشكلة الظالمين المستبدين المسيطرين على مقدرات الامة. والمشكلة الثانية : الجماهير الخاضعة المستكينة أمام الطغاة. والمشكلة الثانية أصعب وأمرو أشق؛ لان الاولى يحلّها حدّ السيف. والثانية تتطلب بعث الحياة في الارواح الميتة الهامدة الجامدة وبث الهمم في النفوس المرتخية الشلوة. وهذا مالايتم بالوعظ والارشاد وحده، بل لابدّ أن تقدّم الفئة «الانساينية» دمها على طريق مقارعة الباطل لتكون قدوة للآخرين ولتبعث هزّة في مجتمع، ولتزرق في شرايين الامة دماً جديداً ساخنا متدفقا.