للتجليات الإلهية ، وممنوحاً بالوحي العزيز. وإنّ اليراع ليقف متردداً عن تحديد تلك الشخصية الفذة ، التي أنبأ عنها النبي (ص) بقوله لأمير المؤمنين (ع) : «لا يعرف الله إلا أنا وأنت ، ولا يعرفني إلا الله وأنت ، ولا يعرفك إلا الله وأنا» (١).
وحيث إن عمر النبي (ص) غير باق إلى الأبد ؛ لأنه لم يخرج عمّا عليه الناس في مدة الاجل. وجملة من تعاليمه لا تخلو من أن تكون كليات لم تأت أزمنة تطبيقها على الخارج ، كان الواجب في شريعة الحقِّ الداعية إلى إصلاح الاُمّة : إقامة خليفة مقامه ، يحذو حذوه في نفسياته واخلاصه وعصمته ؛ لأن السرائر الكامنة بين الجوانح لا يعلمها إلا خالقها. ولو اوكل معرفتها إلى الاُمّة لتعذر عليها التمييز؛ لعدم الاهتداء إلى تلك المزايا الخاصة في الإمام! فتحصل الفوضى ، وينتشر الفساد ، ويعود النزاع والتخاصم. وهو خلاف اللطف الواجب على المولى سبحانه (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٢) (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا) (٣).
فالخلافة منصب إلهي يقيّض الله تعالى رجلاً ينوؤ بأثقال النبوة ، فيبلّغ الدعوة لمن تبلغه ، ويدعو إلى تفاصيل الشريعة التي جاء بها المنقذ الأكبر (ص) ، فيرشد الجاهل ، وينبّه الغافل ، ويؤدب المتعدي ، ويبين ما أجمله النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ لضرب من المصلحة أو أهمله لعدم السعة في زمانه بعد انقضاء أمد الرسالة.
في شخصية أمير المؤمنين ثم ابنه الحسن ، وبعده أخوه سيد الشهداء الحسين ، فابنه زين العابدين علي ، ثم ابنه الباقر محمّد ، فابنه الصادق جعفر ، فابنه الكاظم موسى ، فابنه الرضا علي ، فابنه الجواد محمّد ، فابنه الهادي علي ، فابنه الحسن العسكري ، ثم ابنه المنتظر أبو القاسم محمّد عجل الله فرجه.
كما أفاد المتواتر من الاحاديث : بأنّ الله عز شأنه اودع في الإمام المنصوب ـ حجّة العباد ، ومنار يهتدي به الضالون ـ قوةً قدسية نورية ، يتمكن بوساطتها من
__________________
(١) المحتضر ص ١٦٥ لمؤلّفه الحسن بن سليمان الحلّي ، أحد تلامذة الشهيد الأول ، والذي كان حيّاً سنة ٨٠٢ هـ ، ومختصر البصائر ص ١٢٥ للمؤلّف نفسه.
(٢) سورة القصص : آية ٦٨.
(٣) سورة الأحزاب : آية ٣٦.