خواص الطبائع ، وأسرار الموجودات ، وما يحدث في الكون من خير وشر. ولا غلوّ فيه بعد قابلية ذواتهم لهذا الفيض الأقدس ، وعدم الشّح في عطاء الربِّ سبحانه ؛ فإنه يهب ما يشاء لمن يشاء. وصارح الأئمة (عليهم السّلام) بهذه الحبوة الإلهية ، وأنهم في جميع الآنات محتاجون إلى تتابع الآلاء منه جلَّ شأنه ، ولولاها لنفد ما عندهم من مواد العلم. وهذا غير بعيد فيمن تجرد لطاعة الله تعالى ، وعُجنت طينته بماء النزاهة من الأولياء والصديقين ، فضلاً عمّن قيّضهم الباري تعالى اُمناء شرعه. وقد صادق على ذلك المحققون من الأعلام ، كما حكاه الشيخ المفيد في المقالات / ٧٧ ، والمجلسي في مرآة العقول ١ / ١٨٧ ، ومشى على ضوئهم المحقق الآشتياني في حاشيته على رسائل الشيخ الأنصاري ٢ / ٦٠.
وقال ابن حجر الهيثمي : لا منافاة بين قوله تعالى : (قُل لا يَعلمُ مَن فِي السَّمواتِ وَالارضِ الغَيبَ إِلا اللَّهُ) ، وقوله : (عالِمُ الغَيبِ فلا يُظهِرُ على غَيبِهِ أَحدا) ، وبين علم الأنبياء والاولياء بجزئيات من الغيب ، فإنّ علمهم : إنما هو بإعلام من الله تعالى ، وهذا غير علمه الذي تفرد به تعالى شأنه من صفاته القديمة الأزلية ، الدائمة الأبدية ، المنزّهة عن التغيير ، وهذا العلم الذاتي هو الذي تمدّح به ، وأخبر في الآيتين بأنه لا يشاركه أحدٌ فيه. وأمّا مَن سواه ، فإنما يعلم بجزئيات الغيب ، فبإعلامه تعالى وإعلامه للأنبياء والأولياء ببعض الغيوب ، ممكن لا يستلزم محالاً بوجه ، فإنكار وقوعه عناد. ومن البداهة أنه لا يؤدي إلى مشاركتهم له تعالى فيما تفرد به من العلم الذي تمدّح به ، واتصف به من الأزل ، وعلى هذا مشى النووي في فتاواه (٣).
فاتضح بهذا البيان ، أن ابن حجر لم يتباعد عن القول بعلم الأولياء بالغيب ، وإنما لم يوافق الشيعة على ما يعتقدونه في أئمتهم (عليهم السّلام) من قدرتهم على العلم بالحوادث الكائنة ، والتي تكون إلى يوم القيامة ؛ لاعتقاده أن هذه السعة مختصة بالباري جلَّ شأنه. ولكن الملاك الذي قرره لمعرفة الأولياء ببعض الغيب ـ وهو تمكين المولى سبحانه لهم من الوقوف على الغيب ـ يقيّد ما تعتقده الشيعة ، فإن الميزان للوقوف على المغيّبات إذا كان بإقدار الله تعالى ، وجعله الملكة النورية في هذه الذوات الخاصة من آل الرسول (ص) ، فمن الممكن أن
__________________
(١) الفتاوى الحديثة ص ٢٢٢.