تعالى : (ومِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاء مَرضَاتِ اللّهِ).
وبمثل هذا صارح الرسول (ص) في تعاليمه الثمينة أُمته ، فقال (ص) : «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل تكلم بكلمة حقٍّ عند سلطان جائر فقتله» (١).
ولم يتباعد عن هذه التعاليم محمّد بن الحسن الشيباني ، فينفي البأس عن رجل يحمل على الألف مع النجاة او النكاية ، ثم قال : ولا بأس بمن يفقد النجاة أو النكاية إذا كان إقدامه على الألف مما يرهب العدو ، ويقلق الجيش ، معللاً : بأن هذا الأقدام أفضل من النكاية ؛ لأن فيه منفعةً للمسلمين (٢).
ويقول ابن العربي المالكي : جوّز بعض العلماء أن يحمل الرجل على الجيش العظيم طالباً للشهادة ، ولا يكون هذا من الإلقاء بالتهلكة ؛ لأن الله تعالى يقول : (مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاء مَرضَاتِ اللّهِ) ، خصوصاً إذا أوجب الأقدام ، تأكد عزم المسلمين حين يرون واحداً منهم قابل الاُلوف (٣).
لقد اختص الله سبحانه اُمناء شرعه ، والخلفاء على الاُمّة من أبناء نبيه الكريم (ص) بأحكام ناشئة عن مصالح خاصة بهم ، لا تدرك أكثرهم أحلام البشر ، وتنحسر عن كنهها العقول. وفي جملتها ، الزامهم بالتضحية في سبيل مرضاته عزّ وجل ، وبذل كل ما يحوونه من مال وجاه وحرمات ، فتراهم في أعماق السجون طوراً ، وفي خلل المنفى تارة ، وفي ربقة التسفير آونة ، وفي مقاساة الخوف والشدائد ردحاً ، والاصاخة إلى قوارص الكلم اُويقات حتّى شارفوا مناياهم. والمسوغ لهم في كل ذلك ، ما علموه من جدّهم الأعظم (ص) ، المخبر عن وحي السماء من المزايا والمصالح التي تحفظ بها الجامعة الإسلامية ، بحيث لولا التوطين على هذا الإقدام لذهب الدين إدراج المنكرات والأضاليل ، ولا سبيل إلى معارضتهم فيما اطلعهم الله عليه من السر المكنون ، وعرفهم تلك الأهمية الملحوظة لديه عزّ شأنه ، على اختلاف فيهم. فمنهم من أمره بالصبر دون الحرب والجهاد ، ومنهم من أمره بالقتل ، ومنهم
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص ١ ص ٣٠٩ ، آية التهلكة.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) الاحكام لابن العربي ١ ص ٤٩ ، آية التهلكة ، ط ١ سنة ١٣٣١ .