شيئاً من ذلك حتّى ساعة الموت؟!. وممّا يشهد لذلك قول الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) :
«إنّي لأعجب من قوم يتولونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة كطاعة رسول الله (ص) ، ثم يكسرون حجّتهم! ويخصّون أنفسهم ؛ لضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا! ويعيبون ذلك على مَن أعطاه الله برهان حقِّ معرفتنا والتسليم لأمرنا! أترون الله تعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يُخفي عليهم أخبار السّماء ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟!».
فقال له حمران : يابن رسول الله ، أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السّلام) ، وخروجهم وقيامهم وما اُصيبوا به من قبل الطواغيت والظفر بهم حتّى قتلوا وغلبوا؟.
فقال له أبو جعفر (ع) : «يا حمران ، إنّ الله تبارك وتعالى قدَّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، ثم أجراه عليهم. فبتقدم علم إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين ، ويعلم منه صمت مَن صمت منّا ، ولو أرادوا أن يدفع الله تعالى عنهم ، وألحوا عليه في إزالة ملك الطواغيت ؛ لكان ذلك أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد! وما أصابهم ليس لذنب اقترفوه ، ولا لمعصية خالفوا الله فيها ؛ ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغهم إيّاها ، فلا تذهبن بك المذاهب يا حمران!» (١).
ومن إشعاعات هذا الحديث الشريف تظهر أسرار غامضة ، وحكم إلهيّة اختصّ الله بها أولياءه ، خزّان وحيه ، وبها ميّزهم عن سائر البشر ، وهي :
أ ـ علمهم بكلّ شيء ، وعدم انقطاع أخبار السّماء عنهم. وعمومه شامل للموضوعات بأسرها.
ب ـ إنّ ما جرى عليهم من الأخطار ، وقهر أرباب الجور ناشئٌ عن مصالح لا يعلمها إلا المهيمن جلّ شأنه.
ج ـ إنّ ما صدر منهم ؛ من الحرب والجهاد ، والقتل في سبيل الدعوة الإلهيّة ،
__________________
(١) الكافي (في هامش مرآة العقول) ١ ص ١٩٠ باب انهم يعلمون ما كان ، وبصائر الدرجات ص ٣٣ ، والخرائج ص ١٤٣ ، طبعة الهند.