وقالت : أعنت على ابن فاطمة! وقتلت سيّد القرّاء! لقد أتيت عظيماً من الأمر! والله لا اُكلّمك من رأسي كلمة واحدة. فقال يخاطبها من أبيات.
ولمْ ترَ عيني مثلهم في زمانهم |
|
ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافعُ |
أشدَّ قراعاً بالسّيوف لدى الوغى |
|
ألا كلّ مَن يحمي الذمار مقارعُ |
وقد صبروا للضرب والطعن حسّرا |
|
وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافعُ (١) |
ثمّ أي فرد منهم أقلقه الحال حتّى ارتعدت فرائصه؟ أهو زهير بن القين الذي وضع يده على منكب الحسين ، وقال مستأذناً :
أقدم هديت هادياً مهديا |
|
فاليوم ألقى جدَّك النبيا |
أم ابن عوسجة الذي يوصي حبيب بن مظاهر بنصرة الحسين (ع) ، وهو في آخر رمق من الحياة ، فكأنّه لمْ يقنعه في المفاداة ، كلّ ما لاقاه من جهد وبلاء؟.
أم أبو ثمامة الصائدي الذي لم يهمّه في سبيل السّير إلى ربّه تعالى ، كلّ ما هنالك من فوادح وآلام ، إلا الصلاة التي دنا وقتها؟.
أم سعيد الحنفي الذي استُهدف لهم عند الصلاة حتّى سقط ؛ لكثرة نزف الدم ، فيقول للحسين (ع) : أوفيتُ يابن رسول الله؟.
أم ابن شبيب الشاكري الذي يلقي جميع لامته ؛ لتقرب منه الرجال فيموت ، في حين نرى الكماة الأبطال المعروفين بالشجاعة والإقدام ، يتدرعون للحرب ؛ كيلا يخلص إليهم ما يزهق نفوسهم؟.
أم جون الذي يأذن له الحسين (ع) في الإنصراف ، فيقع على قدميه يقبّلهما ، وهو يبكي ويقول : إنّ لوني لأسود ، وحسبي لئيم ، وريحي منتن ، فتنّفس عليَّ بالجنة ؛ ليبيضَّ لوني ، ويشرف حسبي ، ويطيب ريحي؟.
وإذا تأملنا قول أبي جعفر الباقر (ع) : «إنَّ أصحاب جدّي الحسين لم يجدوا ألم مسّ الحديد» (٢).
وضّح ما عليه أولئك الأطايب من الثبات ، وأنّهم غير مكترثين بما لاقوه من
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٧.
(٢) الخرائج للراوندي ص ١٣٨.