مَن عقدها له من وجوه المهاجرين والأنصار ، عشيّة اليوم الثالث من مقتل عثمان بعد إمتناعه عليهم وإصرارهم عليه ؛ لأنّه أعلم مَن بقي ، وأفضلهم وأولاهم بهذا الأمر. وناشدوه الله تعالى في حفظ بقيّة الاُمّة ، وصيانة دار الهجرة ، فبايعوه قبل حضور طلحة والزبير ومبايعتهما له ؛ تبعاً لغيرهما بعد وجوبها عليهما ، ولو تأخّرا عن الإنقياد لكانا مأثومَين. وقولهما له : بايعناك مكرَهين (١) لا يضرّ بإمامة عليّ (عليه السّلام) ؛ لأنّ البيعة له تمّت قبل مبايعتهما ، وطلبهما منه قَتْلَ قتلة عثمان خطأً ، لأنّ عقد الإمامة لرجل على أنْ يَقتل الجماعة بالواحد لا يصح ؛ بعد أنْ كان الإمام متعبّداً باجتهاده ، فقد يؤدّي إلى أنّه لا يجوز قَتْل الجماعة بالواحد ، وإنْ أدّى إليه اجتهاده فقد يجتهد ثانياً إلى عدمه ، ولو ثبت أنّ علياً (ع) يرى جواز قتْل الجماعة بالواحد ، لمْ يجز أنْ يقتل جميع قتلة عثمان ؛ إلا بعد أنْ تقوم البيّنة على القتلة بأعيانهم ، وأنْ يحضر أولياء الدَّم مجلسه ويطالبون بدم أبيهم ووليّهم ، وأنْ لا يؤدّي القتل إلى هَرج عظيمٍ وفساد شديد ، قد يكون مثل قتلة عثمان أو أعظم منه. وتأخير إقامة الحدِّ إلى وقت إمكانه أولى وأصلح للاُمّة وأنفى للفساد (٢).
وقال أبو عبد الله محمّد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة (٤٠٥) : الأخبار الواردة في بيعة أمير المؤمنين كلُّها صحيحة مجمع عليها ، وفيها يقول خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر :
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا |
|
أبو حسن ممّا نخاف من الفتنْ |
وجدناه أولى الناس بالناس إنه |
|
أطبُّ قريش بالكتاب وبالسُّننْ |
وإنّ قريشاً ما تشق غبارَه |
|
إذا ما جرى يوماً على الضمر البدنْ |
وفيه الذي فيهم من الخير كلِّه |
|
وما فيهمُ كلُّ الذي فيه من حَسنْ |
وساق الذهبي جميعه في تلخيص المستدرك ولم يتعقّبه (٣) ، ثم حكى الحاكم
__________________
(١) في مستدرك الحاكم ٣ ص ١١٤ : أول من بايعه طلحة فقال : هذه بيعة تُنكث.
(٢) التمهيد ص ٢٢٩ ـ ٢٣٢.
(٣) المستدرك ٣ ص ١١٥ ، وقد زاد عليها السيد المرتضى في الفصول المختارة ٢ ص ٦٧ أبياتاً أربعة ، هي :
وصيُ رسول الله من دون أهلِهِ |
|
وفارسُهُ قد كان في سالف الزمنْ |
وأوّلُ مَن صلّى من الناس كلِّهم |
|
سوى خيرة النسوان والله ذو المننْ |
وصاحبُ كبش القوم في كل وقعةٍ |
|
يكون لها نفس الشجاع لدى الذقنْ |
فذاك الذي تُثنى الخناصر باسمه |
|
إمامُهم حتّى اُغيب في الكفنْ |