طهارة ضمير هذا العبد ونواياه الحسنة. وإنَّ ثباته على القتل ، بعد الإفراج والإذن بالمفارقة يخبر عن عقيدة راسخة.
الخلاصة
إنّ حفظ شخص الإمام (ع) كحفظ شخص النّبي (ص) مما يلزم به العقل والشرع ، ولا يسع كلّ أحد التخلّف عنه وتركه ومَن يريد استئصاله ، بل الواجب بذل النّفس والنّفيس دونه ؛ ليدرأ بذلك العدوان عن نفس الإمام الذي هو حياة الوجود وبقاء الكون. كما يجب على الإمام (ع) الدعوة إلى نصرته والدفاع عنه ، مع العلم بأنّ الموافق له قادم على إزهاق نفسه القدسيّة ، وأنّه لا ندحة له عن دفع الموت ، فيجوز له عدم إلزام أي أحد بالدفاع عنه ؛ لخلوّه عن الفائدة.
والحسين (ع) كان عالماً بما يجري عليه من أعدائه ، وعدٌ لا خلف فيه ، وقضاء غير مردود ، كما أنبأ اُمّ سلمة بقوله : «إنْ لمْ أخرج اليوم خرجتُ في غد ، وإنْ لمْ أخرج في غد فبعد غد. وهل من الموت بُدّ! أتظنين أنّك تعلمين ما لمْ أعلمه؟».
إذاً فلا يجب عليه إلزام الغير بالدفاع عنه. نعم ، لا يسقط التكليف عمّن فقد العلم بالمقدّرات الإلهيّة من البشر في القيام بالدفاع عن شخص الإمام الحُجّة ، ولا يُعذر مَن يبصر حصار القوم لمَن أهَّله الله تعالى خليفة على العباد ، وقطعهم خطوط المدد عنه ، وسدّ باب الورود عليه ، فلم ينهض لردِّ العادية عنه ؛ كي لا يخلص إليه ما يزهق نفسه القدسيّة. ولا يقبل الله تعالى حجّة مَن ينظر هذا الحال ، ثمّ يتقاعس عن النّصرة وإنْ اعصوصب الأمر وتفاقم الخطب ، أللهم إلا أنْ يأذن حُجّة الزمن بمفارقته ، وتخليته مع أعدائه ؛ لكونه العالم بالمصالح تعليماً من لدن حكيم عليم ، تعالى شأنه. وحينئذ لا يلزم العقل ، ولا الشرع بالبقاء معه والدفاع عنه ، ولا يكون مَن يفارقه متعدياً على مقررات الشريعة ، ويصحّ له العذر ـ يوم نشر الصحف ـ بترخيص الإمام (ع) في ترك نصرته. ولا يكون الإمام مجازفاً لو أباح للغير إفراده وأعداءه ، وحلّ عقدة العهد ، بعد التسليم بأنّه لا يتخطّى المصالح الواقعيّة قيد شعرة. هذا ما يقتضيه تكليف الإمام. وأمّا تكليف المأذون بالإنصراف ، فإنّه إذا لم يشاهد استغاثة الإمام واستنصاره ، فلا تبعة عليه ولا مسؤوليّة. وأمّا مع مشاهدته حيرة الإمام ، وتتابع استغاثته ، فلا يسوغ له ترك النّصرة ؛ للقطع بأنّه في هذا الحال