فيها هو الخلق بهذا المعني باعتباره داعيا للعقل العملي الى ادراک أن هذا مما ينبغي فعله او مما ينبغي ترکه. ولکنا اذا وقفنا نجد أن الاخلاق الفاضلة غير عامة عند الجمهور بل القليل منهم من يتحلي بها مع انه لا ينکر أن الخلقيات مشهورة يحکم بها حتي من لم يرزق الخلق الفاضل فان الجبان يري حسن الشجاعة ويمدح صاحبها ويتمناها لنفسه اذا رجع الى نفسه وأصغي اليها ولکنه يجبن في موضع الحاجة الى الشجاعة وکذلک البخيل والمتکبر والکاذب. ولو کان الخلق بذلک المعني هو السبب للحکم فيها لحکم الجبان بحسن الجبن وقبح الشجاعة والبخيل بقبح الکرم وحسن الامساک والکذاب بقبح الصدق وحسن الکذب ... وهکذا.
والصحيح في هذا الباب أن يقال : إن الله تعالي خلق في قلب الانسان حسّاً وجعله حجة عليه يدرک به محاسن الافعال ومقابحها وذلک الحسّ هو (الضمير) بمصطلح علم الاخلاق الحديث وقد يسمي بالقلب او العقل العملي او العقل المستقيم او الحسّ السليم عند قدماء الاخلاق. وتشير اليه کتب الاخلاق عندهم.
فهذا الحسّ في القلب او الضمير هو صوت الله المدوّي في دخيلة نفوسنا يخاطبها به ويحاسبها عليه. ونحن نجده کيف يؤنب مرتکب الرذيلة ويقرّ عين فاعل الفضيلة. وهو موجود في قلب کل انسان وجميع الضمائر تتحد في الجواب عند الستجوابها عن الافعال فهي تشترک جميعا في التميير بين الفضيلة والرذيلة وان اختلفت في قوة هذا التمييز وضعفه کسائر قوي النفس اذ تتفاوت في الافراد قوة وضعفا.
ولأجل هذا کانت (الخلقيات) من المشهورات وان کانت الاخلاق الفاضلة ليست عامة بين البشر بل هي من خاصة الخاصة.
نعم الاضغاء الى صوت الضمير والخضوع له لا يسهل على کل انسان الا بالانقطاع الى دخيلة نفسه والتحول عن شهواته واهوائه. کما أن الخلق عامة لا يحصل له وان کان له ذلک الاصغاء الا بتکرر العمل واتخاذه عادة حتي تتکوّن عنده ملکة الخلق التي يسهل معها الفعل. وبالاخص الخلق الفاضل فان افعاله التي