کانت أکثر تأثيرا في التخييل والتذ اذ النفس. وقد سبق أيضا بيان السبب الحقيقي في انفعال النفس بهذه القضايا.
وعليه فالقضايا المخيلات لايمکن حصرها في قواعد مضبوطة بل «الشعراء في کل وادٍ يهيمون». وليس لهم طريق واحد مستقيم معلوم.
لا يزال غير واضح لنا سر ندرة الشعراء الحقيقيين في کل امة. بل لا تجد من کل امة من تحصل له قوة الشعر في رتبة عالية فينبغ فيه ويتمکن من الابداع والاختراع الا النادر القليل وفي فترات متباعدة قد تبلغ القرون.
ومن العجيب أن هذه الملکة على ما بها من اختلاف في الشعراء قوة وضعفا لا تتولد في أکثر الناس وان شارکوا الشعراء في تذوق الشعر وممارسته وتعلمه.
وکل ما نعلمه عن هذه الملکة أنها موهبة ربانية کسائر مواهبه تعالي التي يختص بها بعض عباده کموهبة حسن البيان أو الخطابة أو التصوير أو التمثيل ... وما الى ذلک مما يتعلق بالفنون الجميلة وغيرها.
ومن أجل هذا الاختصاص الرباني اعتبر الشعراء نوابغ البشر. وقد وجدنا العرب کيف کانت تعتز بشعرائها فاذا نبغ في قبيلة شاعر أقاموا له الاحتفالات وتهنئها به القبائل الاخري. ولو کان يتمکن اکثر الناس من ان يکونوا شعراء لما صحت منهم هذه العناية بشاعرهم ولم عدّوه نبوغا.
غير أن هذه الموهبة کسائر المواهب الاخري تبدأ في تکوينها في النفس کالبذرة لا يحس بها حتي صاحبها فاذا اکتشفها صاحبها من نفسه صدفة وسقاها بالتعليم والتمرين تنمو وتستمر في النمو حتي قد تصبح شجرة باسقة تؤتي اکلها کل حين. ولکن اکتشاف الموهبة ليس بالامر الهين وقد يکتشفها الغير العارف قبل صاحبها نفسه. وقد تذوي وتموت المواهب في کثير من النفوس اذا أهملت في السن المنکر لصاحبها.