وذرّيّتهم ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) احفظوها وامنعوها بترك المعاصي وفعل الطاعات (وَأَهْلِيكُمْ) بالنصح والتأديب ، والنهي عن القبائح ، والحثّ على أفعال الخير ، ليتّصفوا بما اتّصفتم به من التقوى. وفي الحديث : «رحم الله رجلا قال : يا أهلاه ؛ صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم ، لعلّ الله يجمعهم معه في الجنّة».
(ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) نوعا من النار لا يتّقد إلّا بهما اتّقاد غيرها بالحطب. وعن ابن عبّاس : هي حجارة الكبريت ، وهي أشدّ الأشياء حرّا إذا أوقد عليها. وقيل : أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله.
(عَلَيْها مَلائِكَةٌ) تلي أمرها ، وهم الزبانية (غِلاظٌ شِدادٌ) الأفعال. أو غلاظ الخلق ، شداد الخلق ، عظام الأجرام ، أقوياء على الأفعال الشديدة. وهم الزبانية التسعة عشر وأعوانهم.
(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) فيما مضى. في محلّ النصب على البدل ، أي : لا يعصون ما أمر الله ، أي : أمره ، كقوله : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (١). أو لا يعصونه فيما أمرهم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) فيما يستقبل. أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ، ويؤدّون ما يؤمرون به من غير توان وتثاقل. فالجملة الثانية غير الأولى.
واعلم أنّ فسّاق المؤمنين وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفّار ، فإنّهم مساكنون الكفّار في قرار واحد ، فقيل للّذين آمنوا : قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الّذين أعدّت لهم هذه النار الموصوفة.
ويجوز أن يأمرهم بالتوقّي من الارتداد ، والندم على الدخول في الإسلام.
وأن يكون خطابا للّذين آمنوا بألسنتهم ، وهم المنافقون. ويعضد ذلك قوله على
__________________
(١) طه : ٩٣.