ولمّا ذكر في آخر سورة القلم حديث القيامة ووعيد الكفّار ، افتتح هذه السورة بذكر القيامة أيضا وأحوال أهل النار ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ) أي : الساعة. أو الحالة الّتي يحقّ وقوعها ، ويجب مجيئها. أو الّتي تقع فيها حواقّ الأمور ، من الحساب والثواب والعقاب. أو الّتي تحقّ فيها الأمور ، أي : تعرف على الحقيقة. من قولك : لا أحقّ هذا ، أي : لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها. وهو لأهلها ، على الإسناد المجازي. وهي مبتدأ خبرها (مَا الْحَاقَّةُ) وأصله : ما هي؟ أي : أيّ شيء هي؟ على التعظيم لشأنها والتهويل لها. فوضع الظاهر موضع المضمر ، لأنّه أهول لها.
ثمّ زاد في تهويلها ، فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) أي : أيّ شيء أعلمك ما هي؟ أي : أنّك لا تعلم كنهها ، فإنّها أعظم من أن تبلغها دراية أحد. و «ما» مبتدأ وخبره «أدراك» ، معلّق عنه لتضمّنه معنى الاستفهام. قال الثوري : يقال للمعلوم : وما أدريك ، ولما ليس بمعلوم : وما يدريك ، في جميع القرآن. وإنّما قال لمن يعلمها : وما أدراك ، لأنّه إنّما يعلمها بالصفة.
ولمّا ذكرها وفخّمها أتبع ذلك ذكر من كذّب بها ، وما حلّ بهم بسبب التكذيب ، تذكيرا لأهل مكّة ، وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم ، فقال :
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قوم صالح (وَعادٌ) قوم هود (بِالْقارِعَةِ) بالحالة الّتي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال ، والأجرام والسماء بالانفطار والانشقاق ، والأرض والجبال بالدكّ والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار. ووضعت موضع الضمير لتدلّ على معنى القرع في الحاقّة زيادة في وصف شدّتها.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) بالواقعة المجاوزة للحدّ في الشدّة ، وهي الصاعقة أو الرجفة. وعن قتادة : بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم ، أي : فأماتتهم ، لتكذيبهم بالقارعة.