(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعض ذنوبكم ، وهو ما سبق ، فإنّ الإسلام يجبّه ، فلا يؤاخذكم به في الآخرة. ولمّا كانت ذنوبهم الّتي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق ، لما يكون في ذلك من الإغراء بالقبيح ، قيّد سبحانه الغفران بـ «من» التبعيضيّة.
(وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو أقصى ما قدّر لكم بشرط الإيمان والطاعة.
مثل : ان قضى الله أنّ قوم نوح إن آمنوا عمّرهم ألف سنة ، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة. فقيل لهم : آمنوا يؤخّركم إلى وقت سمّاه الله وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه ، وهو الوقت الأطول تمام الألف. وفيه دلالة على ثبوت أجلين.
ثمّ أخبر أنّه لو جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخّر كما يؤخّر هذا الوقت ، ولم تكن فيه حيلة أصلا ، فقال :
(إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي : الأجل الأطول الأقصى الّذي قدّره الله (إِذا جاءَ) وحلّ في الوقت المقدّر (لا يُؤَخَّرُ) عن وقته ، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك. وفيه أنّهم لانهماكهم في حبّ الحياة كأنّهم شاكّون في الموت.
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي) إلى عبادتك وخلع الأنداد من دونك (لَيْلاً وَنَهاراً) أي : دائما من غير فتور ، مستغرقا به الأوقات كلّها (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) نفارا عن الإيمان والطاعة من فرط العناد ، وإدبارا عنّي. وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببيّة ، كقوله : (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) (١).
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى الإيمان (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) أي : ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم بسببه. فذكر المسبّب الّذي هو حظّهم ليكون أقبح ، لإعراضهم عنه.
__________________
(١) التوبة : ١٢٤.