بخلافه. فكأنّه قال : إلّا منعا من الطاعات ، عقوبة لهم على رسوخهم في الكفر وعتوّهم وعنادهم.
ويجوز أنّه عليهالسلام أراد الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم ، لا في أمر دينهم. أو الضياع والهلاك ، كقوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١).
فاستجاب الله سبحانه دعاءه ، وأهلكهم جميعا بالإغراق ، كما حكاه سبحانه عنه بقوله : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) من أجل خطيئاتهم الكثيرة وذنوبهم العظيمة. و «ما» مزيدة للتأكيد والتفخيم. وقرأ أبو عمرو : ممّا خطاياهم. (أُغْرِقُوا) بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) عذاب الآخرة. وتقديم (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) لبيان أنّه لم يكن إغراقهم بالطوفان فإدخالهم النار إلّا من أجل خطيئاتهم. ولهذا أكّد هذا المعنى بزيادة «ما».
والفاء التعقيبيّة لبيان عدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال ، لاقترابه ، ولأنّه كائن لا محالة. أو لأنّ المسبّب كالمتعقّب للسبب وإن تراخى عنه ، لفقد شرط أو وجود مانع. أو أريد عذاب القبر ، فإنّ من مات في ماء أو في نار أو أكلته السباع والطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب. وعن الضحّاك : وكانوا يغرقون من جانب ، ويحترقون من جانب.
وتنكير النار للتعظيم ، أو لأنّ الله أعدّ لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النيران.
(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) تعريض لهم باتّخاذ آلهة من دون الله لا تقدر على نصرهم. وتهكّم بهم ، كأنّه قال : فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله ، كقوله : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) (٢).
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) نازل دار ، أي : لا تدع منهم أحدا إلّا أهلكته. وهو من الأسماء المستعملة في النفي العامّ. يقال : ما بالدار
__________________
(١) القمر : ٤٧.
(٢) الأنبياء : ٤٣.