ونسر. فلمّا كان أيّام الغرق دفن الطوفان تلك الأصنام ، فطمّها التراب ، فلم تزل مدفونة حتّى أخرجها الشيطان لمشركي العرب. فاتّخذت قضاعة ودّا ، فعبدوها بدومة الجندل ، ثمّ توارثها بنوه الأكابر حتّى صارت إلى كلب ، فجاء الإسلام وهو عندهم. وأخذ بطنان من طيّ يغوث ، فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا. ثمّ إنّ بني ناجية أرادوا أن ينزعوه منهم ، ففرّوا به إلى بني الحرث بن كعب. وأمّا يعوق فكان لكهلان ، ثمّ توارثه بنوه الأكبر فالأكبر حتّى صار إلى همدان. وأمّا نسر فكان لخثعم يعبدونه. وأمّا سواع فكان لآل ذي الكلاع يعبدونه.
وروي عن عطاء وقتادة والثمالي : أنّ أوثان قوم نوح صارت إلى العرب ، فكان ودّ بدومة الجندل ، وسواع برهاط لهذيل. وكان يغوث لبني غطيف من مراد ، وكان يعوق لهمدان ، وكان نسر لآل ذي الكلاع من حمير ، وكان اللات لثقيف. وأمّا العزى فلسليم وغطفان وجشم ونضر وسعد بن بكر. وأمّا مناة فكانت لقديد. وأمّا أساف ونائلة وهبل فلأهل مكّة. وكان أساف حيال الحجر الأسود. وكانت نائلة حيال الركن اليماني. وكان هبل في جوف الكعبة ثمانية عشر ذراعا.
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) الضمير للرؤساء ، أو للأصنام ، كقوله تعالى : (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) (١) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) عطف على (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) على حكاية كلام نوح عليهالسلام بعد : «قال». ومعناه : قال : ربّ إنّهم عصوني ، وقال : لا تزد الظالمين إلّا ضلالا ، أي : قال هذين القولين. وهما في محلّ النصب ، لأنّهما مفعولا «قال». كقولك : قال زيد : نودي للصلاة وصلّ في المسجد ، تحكي قوليه معطوفا أحدهما على صاحبه.
وأراد نوح بالضلال أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف ، لتصميمهم على الكفر ، ووقوع اليأس من إيمانهم. وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به ، بل لا يحسن الدعاء
__________________
(١) إبراهيم : ٣٦.